مي المغربي: نصوص للذين نبتت في أدمغتهم أرجل

Image by Mai El Maghraby, courtesy of El Mai Maghraby

 

قبل أذان العصر أكتشف أنني انتهيت من التهام نفسي. عندما أقول لا شيء قادر على تدميري فأنا أعنيها، لم يتبق شيء. كل يوم آكلني.

أود خلع كتفي الأيمن
يوميا أتمنى ذلك
أن أمشي بدون كتف
بدون جانب أيمن
خمس أصابع تكفي
لحمل كوب قهوة
للصفع
لإشعال سيجارة
أو نبش ماضي أحدهم
ربما ينجيني من سلامات
من أحضان لا يبررها إلا التلامس
ربما يخافون مني
من يريد الاقتراب من امرأة بلا كتف؟
لا أحد يحب أن يلقي التحية على يد يسرى

استمر في القراءة

كلب ملوكي: قصة من كتاب أحمد كامل القادم

(من ليالي ألف ليلة)

Stephen Mackay, “Dog”, 2021. Source: artsy.net

أبي كلبٌ في البلاط الملكيّ، ومن بعده فأنا على أهبة كي أكون، ومن قبلنا أبوه كان كذلك، أمّا جدّي البعيد فكان قرداً، يتقافز بين يدي سلطانه. وكلامي ليس مجازية، صدقاً هو الواقع، كما جرى، وكما آملُ في قادمي أن يجري.
إن سيرة عائلتي تردُ في حكاية من ألف ليلة، وإن اختلطت ببعض التحريف، المقصود؛ في محاولة للاستئثار بكنزنا، الذي تعثّر صدفةً به، أوّلُ السلالة.
تذكرُ الحكايةُ جدّي البعيد بوصفه حطاباً معدماً، مدّ يوماً خطاه إلى البريّة في زمن كساد، متوغلاً أزيد مما اعتاد، إلى أن ألفى خميلة فأتى منها شجرةً وأزال عن جدارها الترابَ، وإذ بفأسه تصطك في حلقةٍ نحاسية مدغمة في لوح خشب. رفع اللوح فبان من أسفله درج، يغور في باطن الأرض. وهبط عبره فوجد عند آخره باباً يؤدي إلى قصرٍ متين البنيان، وفي أروقته صبية كالدرّة السنية، ينزع مرآها من القلب كلَّ همٍّ وبليّة. فسألته: “أيا هذا ومن تكون؟ أأنسيّ أم جنّي! إني هنا منذ عشرين سنة وما لمحتُ أثناءها أحداً من الإنس”. وأخبرته أنها سليلة ملوك في الأصل، لكن عفريتاً مغرماً اختطفها ليلة عرسها، ولخاطرها شيّد هذا القصر، وفيه يزورها كلّ ليالٍ عشر، فيمكث ليلةً واحدة. كما جعل لها قبةً منقوشة بطلاسم تلمسها كلما عرضت لها حاجة، وحينئذٍ يحضر العفريت ملبّياً من فوره.

استمر في القراءة

أحمد الفخراني: أخي الكبير

August Sander, Brothers, 1920. Source: spenceralley.blogspot.com

لم أنس أبدا نظرة أخي الأكبر المكسوة بضباب من الدهشة والحزن والتي رمقني بها قبل أن يستدير بإباء ملك نبيل مهزوم مغادرا الغرفة، ومن يومها لم يعثر له أحد على أثر.
أجبرت بغيابه أن أصير أخا أكبر لأشقائي وأن أتحمل إرثه كقدوة وناسخ أكواد العائلة وحامل صلبان أعرافها. فما لا ينسونه أبدا بشأنك كأخ أكبر حتى بعد أن يكفوا بميلاد أشقائك عن معاملتك كزهرة نادرة، هو أن عليك أن ترث عهد مملكة لا وجود لها إلا في أذهانهم، فتُختزل حياتك وحضورك في شيء واحد: أن تثبت فكرة. رغم أن الأخ الأكبر في النهاية ليس إلا خاسر مساحات.

استمر في القراءة

كارول صنصور: قصيدتان

Sondra Meszaros, “You’re damned if you don’t and it’s damned if you do”, 2019. Source: 1000wordsmag.com

أنت خفاش يا حبيبي

عندما قضمتَ ثدييها
وشربت من بين ساقيها
هل ذقت خبزًا قديمًا وماء البحر
أم أنك ميتًا بالفعل كنت
هل أخبرتها أنها الشعب
والقمر والشمس
وجعلتها تنشد الفرح والدمار
عندما انزلقتْ في أحلك مناطقها

استمر في القراءة

طلاء لدم آخر: ثلاث قصائد لمهاب نصر

Kholoud Abu Hijleh, “Single Man 2”, 2016. Source: artmejo.com

ملك في عرض الطريق
أنا ملك على بقعة من الدم
على حدود من الرماد
ونفثات الصهد الأخيرة
حيث يُقعي خفير مستدفئا
بذراعين مكشوفتين
أنا “السلام عليكم”…
التي يردها بفم يلوك الدخان
والمرّ.

استمر في القراءة

طارق الجارد: مباريات شطرنج خالدة ولكن بائدة

Two 12th-century chess pieces from Nishapur. Source: sothebys.com

مدخل

 

مضى على ظهور فكرة الشطرنج خمسة آلاف سنة. قليلة هي الأفكار التي تملك منطقا متماسكا لتصمد كل هذا العمر. أول حركة في اللعبة تحمل بداخلها عشرين احتمالا. أما أول حركتين في اللعبة فتحملان أربعمائة احتمالا، ثم تنفجر وتتشظى الاحتمالات لتتجاوز عدد النجوم في الكون. حينما تنظر إلى رقعة الشطرنج التي لا تتجاوز الذراع في حجمها أول مرة، لا يمكن لك أن تتخيل أن أربعة وستين مربعا مرقطا قادرة على استيعاب احتمالات بضخامة تداعيات الانفجار الكوني الكبير، وتتسع لمواقع معقدة كمواقع النجوم بصفحة السماء. يمكن تخيل المنجز الإنساني عبر التاريخ كله، من معمار وفن وشعر وفلسفة  رياضيات، كمباريات شطرنج. بعضه متكرر ومطروق إلى حد الابتذال كالأعداد الطبيعية، وبعضه وارد ومحتمل ولكنه لم يقع، كالأعداد التخيلية. بعضه تافه وضحل وعديم المخيلة، غير لائق بالخلود. وبعضه عميق وإبداعي وخلاب، نقش نفسه في الكتب وفي المخيلة البشرية. أيضا: بعضه عميق وإبداعي وخلاب جدير بالخلود، ولكنه اندثر كحضارة بائدة ومغمورة مثل جزيرة أطلانتس.

استمر في القراءة

No more posts.