على المجنوني: التنين يتنفس

Neom Project, AFP/Getty Images. Source: theguardian.com

آخر مرة رأيته فيها كانت قبل حوالي عام، في واحدة من نوباته. كان الوقت في رمضان، وكان قد سبقنا هو إلى هناك. لم تختلف المرّةُ عن سابقاتها، ولذلك لم نبقَ أمام البرج طويلا على رغم أنه حاول استبقاءَنا ما استطاع. كنا كلّما نوينا الانصراف وتراجعنا ازداد تمسّكه بنا، وقال متوسلا: اقعدوا. ستجيء هذه المرة. ليس عليكم إلا أن تنتظروا قليلا. قالها بطريقة تُوحي أنّ ما سنراه لو انتظرنا قليلا فقط سيكون مكافأة مُجزية. وزاد بأن استمر في النظر إلى البرج، مصوّبا سبابته تجاه المبنى المضيء، بينما يستجدينا أن نبقى في إخلاصٍ لما ينادي به، إخلاصٍ ربما كان أكثر إقناعا من الشيء المنتظَر نفسه.

استمر في القراءة

ياسر عبد اللطيف: ٢٠٠٥ أجرة القاهرة / خ. ز. ي

James Hooper (Taxi Meter Man). Source: hiveminer.com

عدتُ وحدي في التاكسي نفسه الذي ذهبنا فيه جماعةً، سيارة قديمة متهالكة قذرةٌ من الداخل، من النمط القديم لأجرة القاهرة بالأبيض والأسود، طراز فيات ١٢٥ المُصَنّع في بولندا الاشتراكية، تسكنها رائحة دخان العادم المتسرِّب من مكان ما في هيكلها. السائق كان على نفس الدرجة من التداعي، وإن بدا مغتبطًا راضيًا، بلحيةٍ شيباء تبلغ من العمر أربعة أيام، وملابس لم يغيرّها ربما من نفس التاريخ. 
في رحلة العودة ضاعت بوصلتي الذهنية، حين خرج السائق عن المسار المتوقع، ثم استعدت حسّي بالاتجاهات ثانيةً بعد أن مرقنا من نفق شارع مصر والسودان، فهذا هو شارع رمسيس، ونحن منطلقان في اتجاه العباسية، ثم هذا هو شارع الجيش وسينتهي بنا إلى ميدان العتبة. أعرف جيدًا أن هذه الشوارع الرئيسية معبّدة بأسفلت لا بأس بنعومته، وتلك الرجرجة العنيفة لا علاقة لها بحال الطريق، وإنما حتمًا ناجمة عن تضعضع آليات امتصاص الصدمات في بنية العربة التي تعود لسبعينات القرن الماضي. 
قبل أن نخرج من ذاك النفق، انحرف السائق يمينًا نحو منطقة “دير الملاك”، وأنا لا أعرف تلك الجهة نهائيا. فوق ذلك، كان الشارع الذي دخلنا فيه خاليًا من أعمدة الإنارة مُعتمدًا على قمر شحيح الضوء جعل البنايات على الجانبين في تلك الساعات الهادئة كُتلاً متقاربة بالكاد تظهر لها ملامح عيون نوافذ وشرفات أفواه أشباح تبتسم عن أسنان من قطع الغسيل على أحبال غير مرئية. قال السائق إن البنزين كاد أن ينفد ولا بد وأن يملأ خزّان الوقود، وهو يعرف طلمبة بنزين تقف وحدها دون محطة خلف مبنى حكومي قريب. الطُلمبة مخصّصة لسيارات وحافلات تلك المؤسسة، وهو طالما ملأ سيارته منها مجانًا. فالموظفون لا يغلقونها، وما من حارس ليلي يسهر على حمايتها. 

استمر في القراءة

No more posts.