أحمد فؤاد الدين: سيموت الآن

Lyle Ashton Harris, “Blue Field”, 2010. Source: artsy.net

 

“نموت.. ننام.. وما من شيء بعدها
أبهذه النومة ننهي لوعة القلب؟”
هاملت، شكسبير
سأموت الآن. أقود سيارتي وقد تسرب النوم إلي حتى استحوذ عليٌ، لا أشعر بحركتها، لابد أنها تحافظ على سرعتها العالية، فقدت السيطرة على قدمي لكني أشعر بها تضغط على دواسة البنزين. يداي قابضتان على المقود ورأسي مستقر عليه، وآلة التنبية معطلة، ربما أنقذتني لو كانت تعمل، أحاول عبور الحد الفاصل بين النوم والإفاقة فالآن هو الحد الفاصل بين الموت والحياة، الموت يرحب بي وينتظرني، أما الحياة فتبدو بعيدة المنال كسراب شاهدته صباحًا يغمر طريق العودة تحت أشعة الشمس. أحاول وأحاول مرة بعد أخرى أن أفيق مما أنا فيه، لست مستعدًا للموت، لكني لا أملك أي إرادة. لا أعرف كم مر من الوقت، ربما جزء من الثانية منذ بدأت أنت القراءة، ربما ساعة.
سيموت الآن، أو ربما بعد دقائق، سيتركني أرملة بعد عامين فقط من الزواج، سأصير مثلًا لسوء الحظ، لا أزال صغيرة في السن، لم ننجب أطفالًا، سأحوذ لقبًا لم أتصوره. سيموت الآن تاركًا فراغًا لا يمكن ملؤه، ويتركني أرملة لا يمكن لها أن تعترف بما اقترفه أبدًا، ستجن أمه وتبكي، سيجمع أصدقاؤه صوره ويعلقونها في كل مكان، سيغيب ويترك أثرًا باقيًا في كل موضع عشنا فيه يومًا.

استمر في القراءة

مريم عبد العزيز: أم كلثوم وقصيدة النثر

Chant Avedissian, Umm Kulthoum: Greatest Hits. Source: oasis-mag.com

نجلس أنا وأم كلثوم
على أريكتين متعامدتين
لنكن أكثر دقة
تجلس كاتبة سيرتها نيابة عنها
وأنوب أنا عن نفسي
وإلى جواري يجلس كل الشعراء
عدا شاعر واحد لم يحضر اللقاء
لكنه معنا أيضا
عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي

استمر في القراءة

سلطان محمد: أريدُ پورنوغرافيا عاليةً

Mike Goldberg, “Porn Star”, 2007. Source: artsy.net

أريدُ پورنوغرافيا عاليةً
بمُنخفضٍ من الجَهْدِ
لا لأنني أشتهي
بل لأنني أتضوَّرُكِ جوعًا
وتعبَانُ وفي بالغ من الإحباط منذ شهر كامل
كبُرَت عليَّ حريرَةُ اللاجدوى

استمر في القراءة

كارول صنصور: معنى الإزاحة

Portrait of Sahar Al Saleh, courtesy of Carol Sansour

أتعلمين معنى الإزاحة يا سحر
أنا أيضا لا أعلم
يبدو أنه مصطلح بشبه رحلتك الأخيرة 
خسرت أكثر من نصف وزنك هناك
على حافة الربيع
حيث كتبتِ لي رسالة تقولين
لا أقوى على الكلام
والكتابة صعبة جداً

استمر في القراءة

أحمد ناجي: أختي

Isabela Castelan, Karma, 2016. Source: lauraiartgallery.com

١
لم أسمع نداءه لأن السماعات  في أذني. لم أشعر به إلا وباب الغرفة يفتح بعنف، يقتحم حجراتنا مثلما يداهم الأوكار في مهام عمله. 
وقف في فرجة الباب يرتدي بنطالا قطنيا أبيض، وفوقه فانلة داخلية حملات ابتلت في أجزاء منها بعرقه، وشعر صدره الغزير – أحمد الله لم أرثه منه – يطل من الفانلة.
نزعت السماعات من أذني، متوقعاً فاصل من الشتيمة المعتادة، ودون انتظار ما سيرمينى به قلت ملتجلجاً “بتنده عليا، سهران بذاكر مسمعتش.”
عكس توقعي، أتى صوته هادئاً، وجهه خال من الانفعال “البس هدومك، احنا رايحين لأختك” ثم انصرف من الحجرة دون شرح أو تفصيل.
أنا أصلاً لا أعرف لم هو في المنزل هذا المساء؟
نظرت للساعة في الموبايل، الواحدة والنصف بعد منتصف الليل. ماذا نفعل عند أختي في هذا الوقت؟

استمر في القراءة

هيا المويل: شلون

Aleppo, 1919. Source: Wikipedia

شلون يعني؟ قال الأب بعد أن قطب حاجبيه وفغر فمه. تن .. تن .. تيرن، تن .. تن .. تيرن. بدأت شارة mission impossible  من التلفزيون الذي خلفه. تيرا رااا، تيرا رااا، تيرن. ضحكتْ فزم شفتيه وأغلق التلفزيون ليسحبها إلى جدية الموقف.
شلون بتعملي شي من دون ما تقوليلي؟ ولا بعرف بس يجوا ياخدوكي؟
تلاشى كل الكلام الذي حضرتْه وحفظتْه لكسب الحوار. وقالت أول ما تبادر إلى ذهنها:
بابا الموضوع من برا ببين أكبر مما هو عليه.
يعني إذا عرفوا بصفقولك؟ كتّف الأب يديه وأمال جذعه تجاهها، ما أربكها: شلون يعني أكبر وأصغر؟ اتفضلي اشرحيلي.
يعني أنت لو بتكون هنيك …
أنا ما بطلع لأنو بعرف العواقب. صاح الأب وصمت صمتًا بدا عميقًا جدًا.
يا بابا أنا ما قصدي أنك تطلع، قصدي أنو الأمور أبسط مما منتخيلها. جملة ضعيفة، لا القصص المروية بهمس، ولا الأصوات الصاخبة التي بدأت تُسمَعُ حديثًا في حلب تؤيد ذلك، فكرتْ والغضب ينمو بداخلها كصبارة.

استمر في القراءة

فصل التعب (فصل من كتاب “مذكرات أب لا يجيد الحكايات”): بهيج وردة

Heba Khalifa, from “Homemade”. Source: arabdocphotography.org

كلما وصلت إلى ذروة الغضب من تصرفات جنى – تبلغ من العمر سنة ونصف – اللامسؤولة (كيف تتوقع من طفلة في منتصف عامها الثاني أن تكون مسؤولة، يا إلهي!) والمضيّعة للوقت، أتذكر كلامي لنادين (زوجتي) ومعاتبتي لها، كيف أنها لم تنجح باستغلال الوقت في شيء مفيد.
وحين أسألها عن وقت نوم جنى (كان يمتد لساعتين غالباً) كنت أظن أنها تتحجج بالغسيل والتنظيف وترتيب المنزل، في الوقت الذي كنت أعتبر هذا الوقت رفاهية لإنجاز قصة أو تحرير ما خططته في الليلة السابقة، أو أي شيء له علاقة بالكتابة أو المراسلة بالحد الأدنى، إلا أني كنت أستعيد كل كلمة (تفوهت بها بحماقة)، وأنا أقضي النهار مع جنى!.

استمر في القراءة

نحن نسكن هنا منذ سنوات: قصائد هدى حسين

Youssef Rakha, 2013

شبابها الذي أهدرته في تنظيف الحمامات
لأسباب لا أعرفها،
.
من أجله
كانت تترك الصنابير مفتوحةً
تنظر إلى الماء الذي يتدفّق نظيفًا
.

استمر في القراءة

واحد ناقص واحد: قصة كولم تويبين ترجمة محمد هاني

Colm Tóibín by Phoebe Ling. Source: colmtoibin.com

يطلّ القمر من قرب على تكساس. القمر هو أمي. هي مكتملةٌ الليلة، وأكثر سطوعًا من أسطع مصباح نيون؛ هناك تعاريج من الأحمر في لونها العنبري المنبسط. ربما كانت قمر حصاد، قمر كومانتش، لا أعلم. لم أر أبدا قُمْرة بهذا القرب، وحريصة لهذه الدرجة على بريقها العميق. الليلة، ستكون أمي قد توفيت منذ ست سنوات، وأيرلندا على بعد ست ساعات وأنت نائم.
أسير. لا أحد يسير سواي. من الصعب عبور شارع جودالوب؛ تمرق السيارات مسرعة. في متجر الجُملة للسلع الغذائية كلنا مرحب بنا، تسألني الفتاة عند المخرج إن كنت أود الحصول على عضوية المتجر. لو دفعت سبعين دولاراً، عضويتي لن تنقضي كما تقول، وسأحصل على سبعة في المئة خصم على كل المشتريات.
ست سنوات. ست ساعات. سبعون دولاراً. سبعة في المئة. أقول لها إني هنا لبضعة أشهر فقط، تبتسم وتقول مرحبا بك. أبتسم بالمقابل. مازلت أستطيع أن أبتسم. لو اتصلت بك الآن، ستكون الثانية والنصف صباحا؛ على الأرجح ستكون مستيقظا. 

استمر في القراءة

كأنّ مدينة توجد: قصائد الموسم من مهاب نصر

Patrick Rapati, from “Eight Drawings for Invisible Cities”, 2017. Source: maritimeartlist.com

(١)
لا يمكنني أن أتعلم
وأنتم، هل يمكنكم؟
يتحسن مزاجي لسبب آخر
أن أحكي قصة لشخص ينام على ذراعي
هل شعرتم بهذا التنميل الخفيف من قبل؟
هل اعتبرتم يوما أن ذراعا واحدة
تكفي لحمل الأصابع التي تقلب الصفحات؟

استمر في القراءة

عائشة أحمد: الرجل الآخر

David Alan Harvey, Dasha in Outer Banks, USA, 2015. Source: magnumphotos.com

من خلال تخريمات شالها الأبيض تتطلع إلى البحر. ترى الطفلة في المايوه البنفسجي تروح وتجيء بدلوها البلاستيكي الصغير، تملأه بالماء وتفرغه على الرمل حيث تبني قلعتها الطينية مع أختها. آثار قدميها الصغيرتين مطبوعة على الرمل في مسار محدد، ووالدهما يرشف مشروبه ببطء من الزجاجة الحمراء مراقبا المشهد من بعيد.
تستلقي على المنشفة السوداء وقد ثبتت أحد أطرافها حقيبة ظهر ثقيلة وفي الطرف الآخر حذائها الفضي اللامع وكتاب كانت تقرأه. الريح تهب باردة والشمس فوقها لاهبة. تشعر بالعطش لكنها أكسل من أن تعتدل في جلستها وتبحث عن عبوة الماء لتشرب، تكتفي بأن تغطي وجهها بشالها الرقيق لتحمي بشرتها من وهج الشمس، وتغمض عينيها. تغفو لوهلة وتستيقظ على أصوات الأمواج المتكسرة على الشاطئ، والنوارس الوقحة تدوم في السماء القريبة وتحط سريعا لالتقاط فتات الخبز الذي يرميه لها أحدهم.

استمر في القراءة

أحمد الفخراني: ضي الماس

Illustration of George C. Duncan’s Pre-Adamite Man, 1866. Source: British Library collection

-١-
عندما ابتلع فرج قرط والدته طفلا، شكلت طريقة استعادة القرط فكرته عن الحياة: الإنسانية قد تكون فاكهة حلوة محشورة بين ثمار شجرة زقوم، جوهرة مدفونة في روث فيل، خاتم ذهبي سقط في قاع الكنيف. قبض فرج على إنسانيته وسط الخراء، لكن الزمن، تكرار الفشل، تفتت الطموح، الشك الرهيب، أشياء جعلت هزيمته سهلة وحزنه غائرا كجرح نتن. قبل أن يعرف بالطريقة الصعبة أن الإنسانية – بالضبط – هي قاع الكنيف.

استمر في القراءة

سهى هشام: أبو فروة

Bruce Davidson, Widow of Montmartre, Paris, 1956. Source: magnumphotos.com

البطانية الكاروهات الصغيرة
لازالت في موضعها
تحمل دفئ جسدك الخفي
تحضرّين “أبو فروة”
لنجتمع على مأساة تقشيره
مأساة تشبه العائلة
أعددتِ القهوة ممزوجة برائحة البطاطس
احتفالاً بتخلصك من زوج مجنون
بيتك المليء بالاختيارات
قد جف وأصبح خالياً
أشاهد المصارعة لتفريغ الغضب
وروحك تنقر علي شباك الغرفة
وسط صيحات المصارعين
سأزور بيتك
لن أزور إلا هو
لكنني لن أدخل

ميرهان فؤاد: حق العودة

PIG2003007K041

Gueorgui Pinkhassov, Girl with her father crossing the street. Source: magnumphotos.com

في ساحة القبر، أنتظر مشهدأبيليس اللفظ السينمائي، وإنما مصطلح يشير إلى الجنازة: عبور الرجال حاملين الميت من المسجد إلي القبر فيما أتذكر محاضرة الطب الشرعي، حين كانت الطبيبة تقول إن عدداً من المصريين يُدفنون أحياء بسبب العشوائية والتعجيل. سأظل أفكر في هذا الهاجس حتي الآن، أتخيل آلاف السيناريوهات: هل أفاق من موته ليجد نفسه وحيداً مختنقاً بالأسمنت والطين فمات مرة أخري؟ هل قام من القبر ليكوّن أسرة جديدة؟ هل فتح باب الموتى ليحاكي آليس في بلاد العجائب (النسخة الجنائزية)؟
تخبرني إحدى النساء اللاتي تعودتُ أن أراهن في القبر وكأنهن متعهدات الموتى: المبطون يحسب عند الله شهيداً. أمتعض من كلامها وأدير وجهي: “يافرحتي!” بينما تغمغم هي وأخريات: لماذا ألبس ثياباً ملونة؟
بعد هذا المشهد، ولمدة ثلاث سنوات، سيصيبني مس فأرى خيالات أبي في الشوارع والموالد. ولاعتقادي الفعلي بأنه سيعود تلتوي عنقي عندما أرى سيارة فيات سماوي، أو رجلاً يرتدي جلباباً ريفياً وينطقسجرةبحرف السين.

استمر في القراءة

معن أبو طالب: ابن بلاد

Untitled-1 copy 3_Snapseed

Alex Prager, “Pacific Ocean Compulsion”, 2012. Source: iconolo.gy

لم أستطع أن أفرشي أسناني ذلك الصباح. فتحت الحنفية الكبيرة الواسعة ذات الأنبوب العريض التي توهمك أن النيل بحاله وراءها، فحشرجت وبصقت ثم صمتت. وهكذا لم أستطع أن أفرشي أسناني ولا أن أغسل يديَّ أو وجهي ولا أن آخذ الشاور المعتاد الذي أبدأ به يومي. باريس المدل إيست. باريس أيري.
بحثت عن هاتفي واتصلت بسامي صاحب خزان صهريج الماء المغوار الذي ينقذني مرتين أو ثلاثًا في الأسبوع. سامي من هؤلاء الباعة الذين عليك أن تحافظ على علاقة طيبة معهم. القوة معه. إذا لم يرد المجيء يومك أنت سينتاك، ليس يومه. هو آخر همه، في عشرين زبون غيرك. الكل بده مي. لذا علي أن أكون لطيفًا مضحاكًا مدفاعًا، ومتسامحًا معه إن تأخر ساعتين، فهو يعرف كيف يصل خزاننا الموجود في آخر سطح العمارة بعيدًا عن الشارع. فقط هو يعرف كيف يصفّ صهريجه ليصله، وعنده الصبر لذلك. لا بل بدا لي أنه يستمتع بالأمر كأنه أحجية. عدة غيره جاءوا مرة ثم رفضوا نقودي بعدها. وجع راس، منّا حرزانة.

استمر في القراءة

في العامية يقال ‘مْبَحّرْ’ بدل ‘تائه’، ربما اشتقت من بحر | صلاح باديس

ضجر البواخر

الفشل هو زيارة المنطقة السوداء داخل رأسك، أين رميت كل ما هو منبوذ ومستبعد حدوثه، الأشياء المشوهة والمؤلمة والتي لم تفكر يوما في مواجهتها.
الفشل أن تكتب هذا (عشرون عاما – وحدة مبكرة تؤنسها كتب وعلب سجائر متزايدة – روح في مركب أشخاص رحلوا – مؤخرات مدورة – عمل مؤقت لحلم مؤجل وأوهام كثيرة لتقبل الحياة) قبل حدوثه بعام،
تكتشف أن سقف خيالك سقوط مؤجل ولاشيء غير ذلك.

استمر في القراءة

No more posts.