سلطان محمد: العاشق الأعسَر

Paulo Bruscky, Letters Held by Left Hand, 1995. Source: artsy.net

لست بالشخص المميز، طبعًا. ولم أكن في يوم من الأيام، ولا أظنني سأكون كذلك يومًا ما. أعرف قدري جيدًا ومتصالح معه. عرفت هذا منذ تفتح إدراكي وتماشيت مع الأمر. أعمل موظفًا بسيطًا، وأهم ما لدي أن صحتي جيدة وصحة أمي وأبي وأخي وأختي، أن عائلتي الصغيرة باختصار، طيبون وسعداء بالحد المعقول. لم أفهم مرة ما الذي يعنيه الطموح والتوق إلى المكانة. بالطبع أعرف أن هذا المسمى بالطموح رغبة تنتاب بعض الناس، الغالبية العظمى كما يظهر، لكن يبدو أنني من استثناءات القاعدة القليلة. ذات يوم أخبرني أحد أصدقائي بأنني رجل خامل. وعرفت فيما بعد أن العرب قديمًا كانت تقول عن الرجل خاملًا إذا لم يُذكر ولم يكن ذا صيت، بالنسبة لهم كانت هي المعنى النقيض لمشهور أو خالد أو ما شابه. والحق أن معرفتي بالفروق بين هذه المعاني ليست جيدةً، كما يعرف رجل أن السليق عبارة عن رز وماء وحليب ولحم لكنه لا يعرف أيهم يأتي قبل الآخر في الطبخة وكمية المقادير. لكن “خامل” صديقي لها معنى مختلف، معنى معاصر. أن تكون خاملًا يعني أنك لا تسعى لتحقيق طموح ما، رغبة في مكاسب وفيرة أو مكانة مرموقة. بمعنى الساعي، الطَّمُوح. وبصراحة فالرجل على حق. أنا خامل. فليكن! لكنه أزعجني ذلك اليوم وهو يحكي لي عن خمولي وأن هذا الخمول عطب خطير في شخصيتي. كل هذا قاله وكأنما هو خلفية لكلامه السابق عن طموحه في أن يصير محاميًا قد الدنيا. لا أدري هل كلامه صائب بالفعل .أم أنه مجرد ردة فعل على ردة فعلي تجاه ثرثرته عن طموحاته إذ لم أكن أقول أكثر من “حلو… ممتاز… آها.. بالتوفيق”. كنت حينها أقلّب في جوالي وهو يحكي وأشاهد فيديوهات لخطاطين. في تلك الليلة، وبعد كلام صديقي، كنت أبحث في فيديوهات عن الطموح وتطوير الذات.

استمر في القراءة

أمجد الصبان: مصارع الأحلام

Karishma D’Souza, “Dream creature – What none spoke of”, 2018. Source: artsy.net

كانت الأحلام تكرهه حقًا، تذهب إليه من أجل لقمة العيش فقط.
عندما يجدون اسمه على قائمة الحالمين لهذه الليلة، يرتعدون خوفا> تصلي الأحلام كلها حتى لا تكون من نصيبه. ومن يقع عليه الدور منها  يربتون على ظهره بمحبة ممزوجة بالشفقة. يقول الضحية “لم أر مثل هذا الخراب الذي بداخله، أدخل حلمًا سعيدًا وأخرج ملطخًا بالدم  أو بشيء ممزوج  بالدموع. ادعوا لي أن لا أتحول إلى كابوس”. أو بحذر: “إذا عدتُ قليل الأدب، أرجوكم اشعروا بما مررت به”، يجيبونه بشفقة “لا تقلق”
كان في الثالثة والثلاثين من عمره، عاطلا عن العمل، بدون تجربة عاطفية، لا يفيق من ظلمات الغرفة أو أحيانًا عاملا، يمر بتجربة عاطفية، لا يمكث في غرفته قط.

استمر في القراءة

عائشة أحمد: الرجل الآخر

David Alan Harvey, Dasha in Outer Banks, USA, 2015. Source: magnumphotos.com

من خلال تخريمات شالها الأبيض تتطلع إلى البحر. ترى الطفلة في المايوه البنفسجي تروح وتجيء بدلوها البلاستيكي الصغير، تملأه بالماء وتفرغه على الرمل حيث تبني قلعتها الطينية مع أختها. آثار قدميها الصغيرتين مطبوعة على الرمل في مسار محدد، ووالدهما يرشف مشروبه ببطء من الزجاجة الحمراء مراقبا المشهد من بعيد.
تستلقي على المنشفة السوداء وقد ثبتت أحد أطرافها حقيبة ظهر ثقيلة وفي الطرف الآخر حذائها الفضي اللامع وكتاب كانت تقرأه. الريح تهب باردة والشمس فوقها لاهبة. تشعر بالعطش لكنها أكسل من أن تعتدل في جلستها وتبحث عن عبوة الماء لتشرب، تكتفي بأن تغطي وجهها بشالها الرقيق لتحمي بشرتها من وهج الشمس، وتغمض عينيها. تغفو لوهلة وتستيقظ على أصوات الأمواج المتكسرة على الشاطئ، والنوارس الوقحة تدوم في السماء القريبة وتحط سريعا لالتقاط فتات الخبز الذي يرميه لها أحدهم.

استمر في القراءة

صلاح باديس: الشركة الوطنية لانتظار القطارات

By Youssef Rakha

عام 1992 كنت أعمل في المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية. وِحدة مدينة الرغاية، في المنطقة الصناعية للمدينة الصغيرة. أقرب لبلدة. هادئة بملتقى طرق رئيسي كولونيالي، فيلات صغيرة واطئة ومقاهي مفتوحة نهارا هنا وهناك. كانت آخر بلدية في شرق مدينة الجزائر، وتقع وسط خط القطار (محطة الجزائربومرداس)، لم تكن بعيدة عن المنطقة الصناعية حديثة النشأة والممتدة بينها وبين رويبة، الأكبر مساحة والأجمل من حيث العمران. عندما زرت رغاية أول مرّة كانت بدعوة من صديق يعمل في الشركة الوطنية للبناء SENESTAL، كان قد سكن هناك في حي جديد، هادئ وقد بُني أمام الملعب البلدي وثانوية ومقبرة صغيرة بسور واطئ قال لي أنّها كانت لليهود. ‘ عمران وظيفيهكذا فهمت بعدما أراني شقته، غرفتين وصالة، مطبخ وحمّام، ونوافذ طويلة وضيقة. يعني بيت بني لغرض ما: إسكان عائلة صغيرة مطابقة لمواصفات العائلة المثالية في الدستور. لكن الناس في ذلك الوقت لم يكونوا مهتمين كثيرا بما يقول الدستور، أو كم غرفة في البيت، الأراضي الفارغة حول بلديات ضواحي العاصمة حفرت وملأت الحفر أساساتً لعمارات كثيرة، وبدأت البيوت في وسط المدينة تفيض بساكنيها

استمر في القراءة

بيت أروى: مهاب نصر عن الصدق والثورة

EGYPT. Fayoum. Tunis.

Bieke Depoorter, Fayoum. Source: magnumphotos.com

ليس أخطر ما أنتجته ثورة يوليو (أو انقلاب يوليو) هو ما يسمى بـ”حكم العسكر”، بل في كونها مثلت أو تسببت بوضوح في إحداث شرخ واسع في الضمير المصري. لأنها أولا أول سلطة “مصرية” تحتكر الحكم بلا منازع (فلا ملك ولا إنجليز)، ومن ثم فقد كانت تمهيدا لمواجهة الشعب لذاته وإن استغرقت هذه المواجهة عقودا خصيلتها ما يحدث الآن. ولأن هذه السلطة لم تحتكر الحكم باعتبارها سلطة منتخبة بل استثنائية، وهو ما جعل فكرة “الاستثناء” تتحول إلى قاعدة سياسية بشكل متناقض تماما مع طبيعتها. وهي ثالثا احتكرت تمثيل الضمير العام (المبرر  لهذه الاستثنائية) وبالتالي وضعت نفسها أمام شرط مستحيل وزائف.

استمر في القراءة

آية نبيه: رياليزم

tumblr_nu2vejluao1stt977o1_540

Daido Moriyama, from “Transit”. Source: zzzze.tumblr.com

مطرٌ خفيف كان كافيًا ليلمع الطريق أمامنا والذي بقميص أسود على الرصيف المقابل وقف يضبط ساعته الرخيصة. لم يكن يشغلني ساعتها سوى فكرتي الأخيرة عن الانسحاب. صوت الراديو الذي لم أستطع أن أحدد مصدره مشوش ويقاطع الفكرة، والذي بقميص أسود لا يبدو أنه يسمعه. الأمر أبسط من ذلك، أنا – حرفيًا – لم أعد أعني شيئًا لأحد. المتطفلون يئسوا مني فانسحبوا من حولي، ونسي أصدقائي الكلام فانسحبوا مني، أما العابرون فلم يعنني اللجوء إليهم وأتوقع أنهم كعادتهم مشغولون بالبحث عن أرواح أكثر رحابة. ما الذي أنتظره إذن

استمر في القراءة

No more posts.