وثائق تاركوفسكي: مرتضى كربلائي لو، ترجمة فرزدق الأسدي

Tarkovsky’s “Stalker”, 1979. Source: bfi.org.uk

لو لم يكن تحذير وزارة الطاقة لتفريغ الفيلا كان من المستبعد أن يخطر على بال معصومة وعائلتها أن يدعوا أحداً إلى فيلاهم. الفيلا التي وفقاً لقرار الوزارة يجب أن يتم إخلاؤها قبل نهاية الشهر لم تكن تعد سوى مشروعاً مهدوراً كان من السهل التظاهر بالسخاء بشأنه. بهكذا فيلا كان بإمكان عائلة معصومة أن يتظاهروا بالمضايفة مكتسبين بذلك شعبية لدى القريب والبعيد. وبعد انتقالهم إلى الفيلا الجديدة كان بإمكانهم العودة إلى انطوائيتهم والتعالي على الآخرين.
كلنا كنا خريجي فرع السينما، وتقبلنا دعوة معصومة بحيرة، وبالرحب والسعة طبعا. الفيلا كانت في قعر واد معشوشب نضر، وكما تصفها معصومة كانت أصوات البلابل وهدير النهر تجعل أجواءها في الليالي تجنن.

استمر في القراءة

هرمس: الدخان

Julian Schnabel, “The Student of Prague”, 1983. Source: guggenheim.org

١
في النهار الغائم الذي وجد فيه محمد ذكرياته، كانت السماء قريبةً، والطقس أبرد من المعتاد. إن الخريف إلى زوال، والشتاء القادم قد يحمل له أكثر من عقبة. نظرةٌ إلى القمر منذ عدة أسابيع ذكرته، أو بدأت تدوير دولاب الذكريات. كانت حياته الرتيبة تتكسر ببطء، وهو بعد أن جرّب الروتين، نسي أيام صعلكته دون نظام يذكر. بحث عن الروتين في ثمانية مشافٍ نفسية، بين الأطباء والممرضات، ولم يجده؛ القيمة الأصلية عنده كانت أن يتحلى الناس بالذوق، والذوق هو أن تجرّب بذاتك، أي أن تنغمس بنفسك في التجربة، وبين الأعوام جلس يفكر؛ ها هي الأيام تمضي به، وصل لأمريكا أخيرًا، والجو باردٌ والوجوه باردة، الشجر الشهير عارٍ، والسماء مكسوة بغلالة سميكة من الركام.

استمر في القراءة

أحمد الفخراني: التلميذ الأخير

Mansoura, early 20th-century postcards. Source: delcampe.net

-١-
طيلة الطريق من القاهرة إلى المنصورة، كنت أردد لنفسي: لم يكن علي المجيء. أتبع شعورا غامضا بالذنب، أو ربما – وهو ما حاولت إنكاره – أسعى لتحقيق نزوة قديمة: أن يعترف الأديب العجوز، وأستاذي اللئيم فرج الكفراوي بنجاحي، وهو الذي عدّني دوما أقل تلاميذه موهبة.
قبل خمسة عشر عاما، لم أكن أتمنى سوى أن أصبح مثله. الآن، أفعل كل ما بوسعي كي أتجنب مصيره.

استمر في القراءة

ناهد نصر: أربعة نصوص عن الموت

NICARAGUA. 1981.

Susan Meiselas, Monimbo woman carrying her dead husband home to be buried in their backyard, Nicaragua, 1979. Source: magnumphotos.com

تعتيم
صباح سكندري آخر ينتهي بالعودة للقاهرة. لا شئ في هذه المدينة يشبه شيئاً آخر تعرفه. حين تزورها كسائح تاريخ تحمل رائحته في قلبك وتنظر للبحر من هذه الشرفة العتيقة. وتنتظر حتى تمتلئ الرئتان. قضيت ليلتي مع فيرجينيا وولف: ما هو أسوأ من رواية؛ تتبُّع سيرة حياة منذرة بالأسى، رومانسية وشائقة حين تقرأها في كتاب لكنها تطلق في أوصالك ارتعادة حين تكتشف حجم الشبه بينها وبين الواقع. واقعك. تنظر فيرجينيا معك إلى بحر الإسكندرية، يأخذك الهواء المالح لثلاثينيات القرن الماضي، بينما كانت تفكر في طريقة للموت هرباً من العالم، من غول الحرب ومن الجنون. تُرى ماذا يكون شعورها إن هي أسندت مثلي مرفقيها على هذا السور المنتمي للقرن الماضي وواجهت البحر بعين بينما العين الأخرى ترقب مسيرة صغيرة لمجموعة من الشبان الغاضبين على استيلاء أسوأ ترس في ماكينة اليمين الرجعي على البلاد. أقرأ: “وكانت فيرجينيا قد قررت مع زوجها يهودي الاصل ان يتخلصا من حياتهما بالغاز السام لو تمكن الألمان بقيادة الجيش النازي من اجتياح لندن…” هل الرحيل إجابة السؤال؟ يصدمني طريق مسدود مع مُلوحة الهواء. لمن نترك هذا الجمال كله؟ تجيب المترجمة من وحي خيالها على لسان وولف: “لو كنت أعلم بهزيمة الألمان لما قررت التخلي عن الحياة.” يراودني الشك في خيال لا يدرك القوة الكامنة في قرار الموت الاختيارى. أعود لتعليق وولف المتأسي: “كيف تعتمون المدينة الجميلة بالسواد مخافة الحرب، التعتيم اسوأ من الحرب.” هذا ما تقوله: التعتيم اسوأ من الحرب.

استمر في القراءة

No more posts.