حسين فوزي: مشروع التخرج

Patrick Pietropoli, “Android 2021”. Source: artsy.net

يوم نتيجة التنسيق، دخل الطالب محمد أحمد والشهير على فيسبوك بـ محمد الجامد جدا، على أهله وقال: أنا اتخصصت ميكاترونكس، هصمم روبوتات وهقضي بقية حياتي مع المكن وحاجات زي كدا. مبتهجي الأسارير، ترك والديه، ثم عاد لغرفته حيث دفن نفسه في مضجعه وبكى ترمًا كاملا. سخر بعدها من الأمر. عندما يسأله أصدقاؤه أين كان طوال المدة الماضية، معتمدًا على عدم قابلية الموضوع للتصديق وسخافته سيرد: كنت بعيط في أوضتي.
الآن في سنته الأخيرة بالكلية، متأخرا عن دفعته بستة أشهر، كان يعمل على مشروع تخرجه.
يتكون المشروع من ماكيت معماري استعاره من صديق له، حذف منه تفاصيلَ كثيرة لينتهي إلى حجرتين. الحجرة الأولى خاصة بالنموذج ذكر وتتشكل من سرير ومصلى، والحجرة الثانية الخاصة بالنموذج أنثى ١، وفي ضيافتها نموذج أنثى ٢، خالية سوى من كنبة وطاولة عليها موبايل لعبة وشنيور مصغر. زرع الجامد البيانات في كل شخصية من الثلاثة عن طريق لوح إلكتروني أزرق يحتوي على شريحة متصلة بكمبيوتر برمج منه المعلومات التي من خلالها تدور أحداث القصة.

استمر في القراءة

أمنية منصور: والدنيا هس هس

Mohamed Nassef, Cairo, March 2019. Courtesy of the artist.

من أجل أن نلتقي في المدينة التي لا تنام. هذه القاهرة. لا تنعس حتى، أو تغمض جفنيها. عيناها على اتساعهما كل لحظة، ترصد الأفق وكأنه مبسوط فلا يحجب رؤيتها لا زحمة ولا تراص أبنية ولا فضاء. في كل الاتجاهات تُلاحق ببصرها أناسًا جالسين وقططًا حائمة. لا تغفل عن شيء. يقظتها فاتكة تعضّ ما تراه، تهشّمه أسنانها حتى تبتلعه. ظننا أن الملاذ من مراقبة القاهرة في حَوارٍ ضيقة ودهاليزَ مظلمة ولكن كيف وحتى ما يحدث في كنف الغرف المغلقة لا يخص أصحابها بل يداوي مقلتيها الحمراوين. لا ينقطع دأبهما قط.

استمر في القراءة

خالد الشورى: البقرة

Lincoln Red Cow by William Albert Clark (1880–1963). Source: artuk.org

معروفٌ عن سعيد زوج فردوس أنه ثورٌ غشيمٌ بحق. من فحولته كان حيل زوجته ينهدُّ قبله بسرعة، ويخرُّ جسدها هامدًا تحته بعد أن يدعكه دعكًا، فيتركها ويخرج في عزّ الليل إلى الحظيرة ليكمل دعكه في النعجات والأبقار. كذا مرة كانت فردوس تستيقظ في الصباح وتفجع بجثمانٍ ميت لنعجة صغيرة لم تحتمل فحولة زوجها الجامحة.
حين سمع أول مرةٍ عن إتيان سعيدٍ للبهائم من أحد أصحابه، وأكد الحكاية أصحابٌ آخرون تجمعهم بسعيد صلةٌ ما، سواء من قريب أو من بعيد، بدت له حكايةً منفرةً ومثيرةً للقرف، يشعر مع سماعها بحموضةٍ حارقةٍ تتصاعد من معدته إلى فمه. ولكن مع تكرر السيرة، وبعد أن وجد فِعلة سعيد مألوفةً بالنسبة للكثير من أهل القرية فقد تكررت لاحقًا على مسامعه حكاياتٌ أخرى مشابهةٌ صار لا يستغرب فعلته، بل ويفاتح بالحديث عنها من يعرف عنهم فحش اللسان.

استمر في القراءة

محمود حمدي: كؤوس مسماة

Harry Gruyaert, Red Sea souvenir shop, 1988. Source: magnumphotos.com

ليس لي أصدقاء
لكن لي أربع كؤوس ضخمة
وإبريقاً زجاجياً كبير الحجم، يكفي أن يملأ أربعتهم مما في جوفه
ليس لي أصدقاء
لكنني سميت كل كأس من الأربعة
أسماءَ أستلذ مذاقها على لساني
فـ”وائل” على سبيل المثال
اسمٌ يتحدى الشيخوخة
يثير انطباعاً بأن صاحبه لن يتعدى الخامسة والأربعين
إلا في كفنٍ أبيض
جيد، سيعيش بعدي عقداً أو عقدين.

استمر في القراءة

نصبٌ للذّكورة: أميلي نوثومب ترجمة محمّد آيت حنّا

Baroness Fabienne-Claire Nothomb (Amelie Nothomb) by Marianne Rosenstiehl. Source: rusoch.fr

اِبتدأ شهر مايو على نحوٍ حسن.
حوْل البركة الخضراء الصّغيرة أزهرت شجيرات الأزاليه، ومثل شرارةٍ أضرمت النّارَ في البارود، انتقلت العدوى إلى الجبل بأكمله. صرت أسبح وسط الزهور المتوهّجة.
لم تكن الحرارة تتجاوز العشرين درجةً: إنّها جنةُ عدن. كنت على وشك الإيمان بأن مايو شهرٌ مميّزٌ، وإذا بالفضيحة تنفجر: نصَب الوالدان في الحديقة صاريةً ترفرف أعلاها، مثل رايةٍ، سمكةٌ ورقيةٌ حمراء تصطفق في الرّيح.
استفسرت عن أمرها. أخبروني أنها سمكة شبّوط وُضعت تكريما لشهر مايو، شهر الأولاد. قلت لهم إنّي لا أرى علاقة بين الأمرين. أخبروني أنّ الشبّوط هو رمز الذكور، وأنّهم ينصبون هذا النّوع من التماثيل السّمكيّة في المنازل التي تضمّ أطفالاً ذكوراً.
– وأيُّ الشّهور هو شهر البنات؟
– لا وجود لشهر بنات.
فقدت القدرة على النّطق. أيّ ظلم صاعقٍ هذا؟
نظر إليّ أخي وهوجو نظرةَ استهزاء.
أضفت متسائلةً:
– لمَ سمكة شبّوط للأولاد؟
انصرفت خائبة الأمل، مقتنعةً أنّ سؤالي كان وجيها.

استمر في القراءة

𝐹𝑜𝓊𝓃𝒹 صوته يقتل التماسيح

الأسد. من السباع والأنثى أسدة وله أسماء كثيرة فمن أشهرها أسامة والحرث وقسورة والغضنفر وحيدرة والليث والضرغام ومن كناه أبو الأبطال وأبو شبل وأبو العباس وهو أنواع منها ما وجهه وجه إنسان وشكل جسده كالبقر وله قرون سود نحو شبر ومنه ما هو أحمر كالعناب وغير ذلك وتلده أمه قطعة لحم وتستمر تحرسه ثلاثة أيام ثم يأتي أبوه فينفخ فيه فتنفرج أعضاؤه وتتشكل صورته ثم ترضعه وتستمر عيناه مغلوقة سبعة أيام ثم تفتتح ويقيم على تلك الحالة بين أبيه وأمه إلى ستة أشهر ثم يتكلف الكسب بعد ذلك وله صبر على الجوع والعطش وعنده شرف نفس يقال أنه لا يعاود فريسته ولا يأكل من فريسة غيره ولا يشرب من ماء ولغ فيه كلبويتحير عند رؤية النار ومن كرمه انه لا يقرب المرأة خصوصا إذا كانت حائضا وقيل أربع عيون تضئ بالليل عين الأسد وعين النمر وعين السنور وعين الأفعى … إذا أقبلت على واد مسبع فقل أعوذ بدانيال والجب من شر الأسد وسبب ذلك على ما قيل إن بختنصر رأى في نومه أن هلاكه يكون على يد مولود فجعل يأمر بقتل الأطفال فخافت أم دانيال عليه فجاءت إلى بئر فألقته فيه فأرسل الله له أسدا يحرسه وقيل إن بختنصر توهم ذلك في دانيال فضرى له أسدين وجعلهما في الجب وألقاه فلم يؤذياه وصارا يبصبصان حوله ويلحسانه … فمن خواصه أن صوته يقتل التماسيح وشحمه من طلى به يده لم يقربه سبع ومرارة الذكر منه تحل المعقود ولحمه ينفع من الفالج وإذا وضعت قطعة من جلده في صندوق لم يقربه سوس ولا أرضة واذا وضع على جلد غيره من السباع تساقط شعره وهو من الحيوان الذي يعيش ألف سنة على ما ذكر وعلامة ذلك كثرة سقوط أسنانه.
— من كتاب “المستطرف في كل فن مستظرف” لشهاب الدين الأبشيهي

1388-1428

مؤمن سمير: الجامح والشرير والمذهول

August Sander. Source: nytimes.com

كانوا الأبرز والأهم في حياتي، هؤلاء الذين جمع بينهم الموت المفاجئ ثم ترنحي في الطرقات بين حروف غيابهم. ولأني الحائر دوماً، المندهش والمصدوم، سأظل الشاك والخائف والمنكر الأبدي لمداخل ومخارج كلمة “يقين”… وأظل أسأل هل صاغت الصدفة حياتي بهذه الكيفية أم أن الأمر اعتياديٌّ وهناك كثيرون غيري لا يستطيعون تلمس الأرض وسط الضباب إلا وأمامهم المرشد والدليل والمُعلِّم الذي سيمسك بالكف ويفتح العينيْن ويصيغ الروح.

استمر في القراءة

فصل الاسم (فصل من كتاب “مذكرات أب لا يجيد الحكايات”): بهيج وردة

project-slide3f24f9ee813b46d29a66a171e2f21af6-1400x933

Heba Khalifa, from “Homemade”. Source: arabdocphotography.org

لطالما رغبت أن يكون المولود الأول في عائلتي بنتاً.
كنت أتوقع أن هذا الموضوع مبني على ردة فعل، مفاده تقليد متوارث على أساسه يفترض أن يقوم الابن البكر بتسمية مولوده الذكر البكر على اسم والده، وبالتالي يحمل الولد اسم جده.
من حيث المبدأ كنت رافضاً للموضوع، رغبة مني في كسر تقليد مجتمعي أولاً، وثانياً لأن اسمي يطابق اسم جدي في الاسم واسم الأم أيضاً – مصادفة غريبة، وبالتالي على ولدي أن يحمل اسم أبي واسم جد أبي، أي يصبح ابني ابراهيم الثالث –في حال المولود الذكر، وفي رأيي لا داع لهذا التقليد.
وأنا أفكر في الموضوع أسأل نفسي، أين سيذهب انتقادي للأنظمة السياسية العربية الفاسدة التي تتوارث السلطة، وترسخ العادات في محاولة منها لإيجاد مبررات الحياة الكريمة لها فقط دون شعبها؟. كيف سأستمر في الحياة وأنا أنتقد والدي الذي أتهمه بمشابهة نظام الحكم في ممارساته وقمعه للديمقراطية والتعددية وأنا أمارس التوريث، وأخضع لإملاءات المجتمع، واسمي ابني على اسم أبي!!

استمر في القراءة

No more posts.