مريم عبد العزيز: سجاجيد

Source: lillarugs.com

١
الحائط بحذاء السرير
منه ينبعث البرد
ليملأ الغرفة
رغم النوافذ المقفلة
وسجادة الصوف الكبيرة؛
حملها أبي من بلد عربي
لجأ إليها هربا من حصاره
ليفاجأ بالحصار الاقتصادي.
وجهة غير موفقة
لرجل يعاني من الاكتئاب.

.

استمر في القراءة

محمد هاني: تحليق اضطراري

Coney Island Loop the Loop Roller Coaster Patent Poster. Source: allposters.com

من أين تقلع كوابيسنا؟ لماذا تصلنا؟ وإن صادفتنا في يقظة بعد غفلة، هل هناك رسالة يجب قراءتها؟ أم أنها نبوءة ذاتية التحقق؟
محاولا إجابة سؤال عن ماهية خوفي من المرتفعات، إن كان أثرًا ممتدًا لحادث، أم انعكاسًا لقلق دفين شق طريقه إلى سطح السلوك على هيئة هلع داخلي فصل صاحبه عن كل ما قد يجري حوله لو انتبه لموقفه والمسافة بينه وبين أرض مستقرة فوق هوة عميقة. ظل ترتيب الأحداث مخادعا، وتضاءلت ثقتي في الذاكرة، لكن شيئا واحدا استقر بأحلامي وهو تحديق الهاوية بي، وأحيانا إحكام قبضتها علي وابتلاع جسمي المنهار استسلاما بإحدى شرفتي منزل عائلتي.

استمر في القراءة

سمية عبد الله: ١٥ يونيو

Antoine d’Agata, “COVID-19, Paris”. Source: artatatimelikethis.com

هل شاهدته؟
أكنتِ (ربما) خائفة يوم شعرتِ بالموت في تلك النظرات التي وجهتها لكل شيء
انتظرته؟
أم شعرتِ بالحزن؟
اليوم أنا شعرت بذاك التدفق
بعد هذا الوقت الطويل أستطيع ربما الكتابة عنه
تدفق بارد كالجليد
يمرر أصابع مسننة في أطرافك كنصل لكنه لا يجرح
قشعريرة مسكرة تنتابك لتغرقك في أعماق عتمة سحيقة
ذاك التمهيد عن الانفصال
الانفصال النهائي عن أمي
الجحيم الذي كنا فيه حرفيا نبتلع قلوبنا

استمر في القراءة

شهر العنب المثلج: ديوان كاترينا غوغو كاملًا، ترجمة كارول صنصور

Original cover of “The Month of Frozen Grapes” by Katerina Gogou, courtesy of Carol Sansour

بيتي بحجم ذراعي ابنتي الممتدين
٤ سنوات بلا مأوى
حافية ومريضة وباردة
أدور
وأينما التفتُ
خلٌ وهيروين ومرارة
وأتحمل حتى لا يحزن الآخرون
ويأتي. وعلى ركبتي أقع أرضا
وأصبح بلية من طين
أتدحرج داخلي
وعلى نفس من روحي
التي ما زالت تشع
أتكئ
وأبكي ماء. ماء كثيرا
ولم يبق لي ماء
لكثرة ما بكيت
نشفت. وأصبحت حورية ذات قشور
وأصبحوا يخافون مني

استمر في القراءة

أودرا: نجوى

Source: facebook.com/BellyDancerNagwaFouad

-١-
يجلس منفردًا على كرسيه الخشبي الوحيد في البيت. تليفونه المحمول ملقى أمامه على السرير. يمعن النظر فيه، في خط اللمعان الخفيف على حافته. يحاول تمرير الوقت بحصر العوامل التي تسببت في وجود اللمعان بهذا الشكل بالذات: الخامة، زاوية الإضاءة، وضع المحمول، مكانه هو في هذه اللحظة. قضى مدة كافية للراحة قبل البدء في تنفيذ القرار الذي اتخذه صبيحة هذا اليوم. أولًا: العالم مُسيّر، فيزياء، حقيقة. نوعًا ما. وفي يده الآن منشور وجده أمام الباب يدّعى أن نجوى فؤاد بإمكانها منحك قدر كافٍ من حرية الإرادة لتحديد مصيرك في اللحظات الحرجة. فقط عليك أن تدعوها إلى العشاء في أحد المطاعم. هامش: وإن كنت انطوائيًا لا بأس، لا تزال أمامك الفرصة، “اطلبلها ديليفري”.
بدأت ظاهرة نجوى، مانحة حرية الإرادة، منذ مدة ليست ببعيدة بين مرتادي قهوة حمّالة الحطب. كانت امرأة أبي لهب على علاقة وطيدة بنجوى فؤاد لسبب ما لا يعلمه إلا الله. تقول الإشاعة أن نجوى كانت تشتكي لامرأة أبي لهب من صعوبة المعيشة الآن وأن “الرقص معادش جايب همّه”، طالبةً نصيحتها كامرأة أخرى مغضوب عليها وصامدة رغم ذلك. أخبرتها حمّالة الحطب بثقة العارفين: “بصي يا نجوى، المسد اللي في جيدي ده بيوكّلني دهب، دوَّري على مَسَدك اللي في جيدك”.

استمر في القراءة

بالليل أحرث البارات: المزيد من كاترينا غوغو هدية السنة الجديدة من كارول صنصور

Youssef Rakha

*
قالوا إن الملاك
الذي حط فجأة على شرفتي
يوم الثلاثاء ٢١ مايو ٧٨
سكير
يمر كل ليلة
على جميع بارات أثينا
ويشرَب حتى الثمالة
وفي الصباح بشق الأنفس، قالوا
يعود ينضم إلى رفاقه الملائكة
تحسده النجوم

استمر في القراءة

أحمد فؤاد الدين: سيموت الآن

Lyle Ashton Harris, “Blue Field”, 2010. Source: artsy.net

 

“نموت.. ننام.. وما من شيء بعدها
أبهذه النومة ننهي لوعة القلب؟”
هاملت، شكسبير
سأموت الآن. أقود سيارتي وقد تسرب النوم إلي حتى استحوذ عليٌ، لا أشعر بحركتها، لابد أنها تحافظ على سرعتها العالية، فقدت السيطرة على قدمي لكني أشعر بها تضغط على دواسة البنزين. يداي قابضتان على المقود ورأسي مستقر عليه، وآلة التنبية معطلة، ربما أنقذتني لو كانت تعمل، أحاول عبور الحد الفاصل بين النوم والإفاقة فالآن هو الحد الفاصل بين الموت والحياة، الموت يرحب بي وينتظرني، أما الحياة فتبدو بعيدة المنال كسراب شاهدته صباحًا يغمر طريق العودة تحت أشعة الشمس. أحاول وأحاول مرة بعد أخرى أن أفيق مما أنا فيه، لست مستعدًا للموت، لكني لا أملك أي إرادة. لا أعرف كم مر من الوقت، ربما جزء من الثانية منذ بدأت أنت القراءة، ربما ساعة.
سيموت الآن، أو ربما بعد دقائق، سيتركني أرملة بعد عامين فقط من الزواج، سأصير مثلًا لسوء الحظ، لا أزال صغيرة في السن، لم ننجب أطفالًا، سأحوذ لقبًا لم أتصوره. سيموت الآن تاركًا فراغًا لا يمكن ملؤه، ويتركني أرملة لا يمكن لها أن تعترف بما اقترفه أبدًا، ستجن أمه وتبكي، سيجمع أصدقاؤه صوره ويعلقونها في كل مكان، سيغيب ويترك أثرًا باقيًا في كل موضع عشنا فيه يومًا.

استمر في القراءة

ملك عفونة: تمارين قسرية

Sylvie Blum, “The Pigeon”, 2016. Source: echofinearts.com

الثّانية فجرًا
الوقتُ مثل حمامةٍ تحلّقُ برتابةٍ فوق الأطلسيّ
ما همَّ في أيّ ناحيةٍ تفرد جناحيها السّميكين
المهمُّ أن تطير، وتواصل الطيران، لكي لا تغرق.
*

استمر في القراءة

أحمد ناجي: أختي

Isabela Castelan, Karma, 2016. Source: lauraiartgallery.com

١
لم أسمع نداءه لأن السماعات  في أذني. لم أشعر به إلا وباب الغرفة يفتح بعنف، يقتحم حجراتنا مثلما يداهم الأوكار في مهام عمله. 
وقف في فرجة الباب يرتدي بنطالا قطنيا أبيض، وفوقه فانلة داخلية حملات ابتلت في أجزاء منها بعرقه، وشعر صدره الغزير – أحمد الله لم أرثه منه – يطل من الفانلة.
نزعت السماعات من أذني، متوقعاً فاصل من الشتيمة المعتادة، ودون انتظار ما سيرمينى به قلت ملتجلجاً “بتنده عليا، سهران بذاكر مسمعتش.”
عكس توقعي، أتى صوته هادئاً، وجهه خال من الانفعال “البس هدومك، احنا رايحين لأختك” ثم انصرف من الحجرة دون شرح أو تفصيل.
أنا أصلاً لا أعرف لم هو في المنزل هذا المساء؟
نظرت للساعة في الموبايل، الواحدة والنصف بعد منتصف الليل. ماذا نفعل عند أختي في هذا الوقت؟

استمر في القراءة

حليمة الدرباشي: عزلةٌ خاليةٌ من العزلةِ

Alex Majoli, Covid 19 in Sicily, April, 2020. Source: magnumphotos.com

فرصةٌ هبطت من السّماء، فرصةٌ تاريخيّةٌ لن تتكرر، وكأنّي قُذفت من نافذة قطارٍ سريع، انقطع التّيارُ الكهربائيُّ فخرجت من خلّاط، انتشلتني يدٌ خفيّةٌ من بين موجتين متلاطمتين؛ فارتطم الجسدُ المهشّمُ بجذع شجرةٍ فهوى على الرّأس فُتاتُ الطّبيعة.
أَرعى زوج حمامٍ حطّ على كتف النّافذة، أُنصُت طويلًا إلى موسيقى الطّبيعة الّتي انداحت في الفراغ الّذي خلّفناه، أَتتبّعُ سرب نمل يتبختر في الأرض الّتي عادت له، فأنسحبُ على مهل؛ مُطأطأةَ الرّأس، خجلى من هول الدّمار الّذي ألحقه الإنسانُ الوحشُ بهذا الكوكب، وأَعودُ إلى الفرصةِ الّتي هبطت من السّماء…

استمر في القراءة

خالد الشورى: البقرة

Lincoln Red Cow by William Albert Clark (1880–1963). Source: artuk.org

معروفٌ عن سعيد زوج فردوس أنه ثورٌ غشيمٌ بحق. من فحولته كان حيل زوجته ينهدُّ قبله بسرعة، ويخرُّ جسدها هامدًا تحته بعد أن يدعكه دعكًا، فيتركها ويخرج في عزّ الليل إلى الحظيرة ليكمل دعكه في النعجات والأبقار. كذا مرة كانت فردوس تستيقظ في الصباح وتفجع بجثمانٍ ميت لنعجة صغيرة لم تحتمل فحولة زوجها الجامحة.
حين سمع أول مرةٍ عن إتيان سعيدٍ للبهائم من أحد أصحابه، وأكد الحكاية أصحابٌ آخرون تجمعهم بسعيد صلةٌ ما، سواء من قريب أو من بعيد، بدت له حكايةً منفرةً ومثيرةً للقرف، يشعر مع سماعها بحموضةٍ حارقةٍ تتصاعد من معدته إلى فمه. ولكن مع تكرر السيرة، وبعد أن وجد فِعلة سعيد مألوفةً بالنسبة للكثير من أهل القرية فقد تكررت لاحقًا على مسامعه حكاياتٌ أخرى مشابهةٌ صار لا يستغرب فعلته، بل ويفاتح بالحديث عنها من يعرف عنهم فحش اللسان.

استمر في القراءة

مهاب نصر: نحن لا نُغلَب في ملعب الحب.. لأننا نسرع بالفرار

Walid Ebeid, “Parting Carols”, 2018. Source: artsy.net

هذا ما قررته إذن.. بسبب العمل المنهك فقط، لا سبب آخر.
لا أشكو، أصارحكِ، على العكس، إن الجهد المضني بلا طائل يجعلني متيقظا دائما، كذبابة يطير وراءها أحدهم بمذبة. حين أغادر إلى البيت لا أكون راغبا في قضاء بقية الوقت نائما، هكذا أستثمر في الأحلام. عادة قديمة. الأحلام تجلعني يقظا أثناء النوم. لا تناقض أبدا. المذبة هنا أيضا. وكلما ظنوني ميتا، سُمع الطنين نفسه، فوق أنف أحدهم أو عند جبهته. غير مؤذ كالعادة. لم أكتب إليك من أجل هذا، بل لأنني تساءلت أيمكن أن يُصنع شيء حقيقي من حلم؟.. فكرة مثلا.. حياة حقيقية؟ أتخيفك الأحلام، هل تفقدك توازنك في النهار، هل تطن فوق أنفك كذبابة؟ أهي قادرة على إيذائك؟
كتبت هذا إليك لأنها أصبحت طريقتي للتحقق من أفكار معينة. بعض الفقرات كانت تضحكني حتى قبل أن أبدأ. لا يحدث هذا مع الكتابة فقط. بل الأحلام أيضا، أعني تذكري للأحلام التي أحكيها لنفسي.

استمر في القراءة

سلمى الداني: شاهد رقيق

Moises Saman, Japan, 2017. Source: magnumphotos.com

تجلس على أريكة مخملية متأملة حوضًا صغيرًا من السيراميك ذا زخارف يبدو أنها أندلسية، لا تستطيع تمييز جميع ألوان زخارفه بسبب رغوة الصابون، تأخذ رشفة من الشاي الذي مدته لها أخصائية المساج، وكعادتها تتساءل بينها وبين نفسها وهي لا تنتظر إجابة ما: هل هو بطعم البابونج مع العسل؟ فترتشف رشفة أخرى، ثم تنتبه أن روبها يبدو مرتخيًا حتى بدا صدرها؛ لكنها لا تبالي. تمد قدميها بحذر وهي تدخلهما في الحوض، وتُرجع ظهرها باسترخاء على الأريكة راجية أن ستستطيع النوم بشكل عمي بعد هذا المساج.   
تخرج قدميها من الحوض، وتخلع الروب الحريري عن جسدها، تتردد في خلع القلادة الفضية فتتركها مكانها؛ وتتبع تعليمات المدلكة بأن تنام على بطنها، وتضع وجهها داخل فتحة مجوفة في طرف السرير. الإضاءة الخافتة؛ ورائحة الشموع العطرية؛ والموسيقى الخلفية الداعية للاسترخاء؛ تزيد من حدة توترها، لم تستغرب هذا التوتر فهي تدرك أن ردود فعلها المغايرة أمر طبيعي. لا تهتم بما تشعر به في تلك اللحظة

استمر في القراءة

مينا ناجي: في الموت لا يوجد شهور وقرون

Elliott Erwitt, New York City, 1953. Source: magnumphotos.com

“كيف يمكن تهدئةُ ظِلِّ الموت الذي بلا حراك؟”
– جويس منصور
١
لنرجع إلى الحقائق الواقعة:
شاب سمين يتبول على قارعة الطريق.
أنا مأكول بالحزنِ واستولى عليّ الغضب،
لأنها من المؤكد ليست أنتِ
ولا يمكن أن تكون.
الأشياء المادية حزينة،
وكذلك فوق المادية.
أمشي على الأسى بقدميّ الاثنتين،
ولا أعرف عن البركة شيئاً.

استمر في القراءة

المينا منَّوِر جاد: طريق الخوف

Ivan Lam Wai Hoe, I have loved you too fondly to be fearful of the night, 2012-2013. Source: artsy.net

كان عليّ أن أكون أكثر حذرًا
وأنا أفكر في شيء آخر
عدا قضيبه المغروس في فمي
كان رفُّ الحلويات أمامي
ولوهلة، فقدت تركيزي
حين أردت اختيار حلوى واحدة
قذف في فمي

استمر في القراءة

طلال بو خضر: رندوحات للحرائق

Lorenzo Meloni, Homs, Syria, April 2016. Source: magnumphotos.com

لم يكن سهلًا، كشف أوهام الحدود،
سماءٌ لِبَدوِ الطّيور شاسعة، وعلى الأرض المسرّة،
الآن، صار هذا واضحًا: دَلّتْنا الحرائق.
يا خويا ويا بويا ويا سند خوفي،
النّار بالفلا تسرح،
والحرق بي جوفي.

 

استمر في القراءة

خالد الشورى: العِرسة

Weasel from the Thérouanne Bestiary, circa 1270. Source: discardingimages.tumblr.com

آثار أقدام الدب أكثر إفزاعًا من الدب نفسه”
مثل روسي لم يسمع به الروس من قبل لأنه من تأليف رفعت إسماعيل.

 

لحظة جذبته المُولِّدة من قدميه النحيلتين إلى الحياة، وخرج من بطن أمه جسدًا رخوًا، شبهَ مكتملٍ، نصفَ حيٍّ، له ملمس قِرْبة جلديّة مملوءة بماء ساخن، دمدمت ممتعضة:
بدر منوّر.”
لكنه لم يكن بدرًا منورًا ولا منطفئاً حتى، وإنّما طبيعة المهنة هي التي عودت المُولّدة على مجاملة الأمهات، حتى ولو كان أولادهنّ بقبح الولد الذي بين يديها.
لُفّ المولود بمنشفة نظيفة، وَوُضِعَ في حضن أمه.
عندما كشفت الأم وجهه لتلقمه ثديها، امتعضت هي الأخرى، واشتكت للأب بحسرة:
انظر إليه، رأسه صغيرة وسوداء، تشبه حبة قلقاس.”

استمر في القراءة

في مأمن من الريح والتاريخ: شِعر روبرتو بولانيو ترجمة أحمد يماني

Gueorgui Pinkhassov, Tijuana, July 2012. Source: magnumphotos.com

بين الذباب
أيها الشعراء الطرواديون
لم يعد هناك شيء مما كان يمكن أن يكون لكم
موجودا
لا معابد ولا حدائق
ولا شعر
أنتم أحرار
أيها الشعراء الطرواديون الرائعون.

استمر في القراءة

أحمد الفخراني: الرجل الصغير

Gustavo Ortiz, “Witness” paintings. Source: carredartistes.com and saatchiart.com

بأنفاس لاهثة، صعد الدرجات الرخامية جارّا معه أنفه إلى أعلى، مستندا على درابزين مشقوق الطلاء كي يحفظ توازنه من السقوط. توقف قليلا ليتحسس أنفه الضخم الذي يضطر أن يحمله معه أينما حل، فتُطأطىء رأسه قليلا إلى أسفل في اللحظات التي يحتاج فيها إلى النظر مستويا إلى الأمام. أما الصعود إلى أعلى ومع حجر كهذا فوق وجهه فقد كان معاناة حقيقية، لكنها لا تقارن بمعاناته عندما يقرر هذا الأنف أن يبتلعه بالقوى السحرية التي تملكها نقطة ارتكاز، أو كمحور يجعله يدور ويدور حول نفسه.
بلغ الطابق الثالث. كان واسعا تتوسطه ردهة تتولد منها ممرات متشابكة، لافتات لأطباء ومحامين والمزيد من الأطباء والمحامين. فكر أنه أمر طبيعي في عالم معتل يسوده الشر، رغم أنه في حاجة أكثر إلى خياطين كأبيه، المهنة التي تنقرض بفعل فقدان الانتباه والصبر. لا أثر للافتة التي يبحث عنها رغم أنه دار حول الطابق عدة مرات.
كان يحمل تحت إبطه ملفا ضخما يحوي أوراقا مرتبة بعناية، في مقدمتها وريقة صغيرة مثبتة بدبوس سجل عليها العنوان: ٢٣ ش سليمان باشا، موقع “باب المدينة”، الطابق الثالث. هل أخطأ في عد الأدوار؟ فكر أن يهبط إلى أسفل ثم يصعد مجددا ليتأكد من العد. لكن كان ذلك منهكا لجسده المفكك وعقله الدائخ.

استمر في القراءة

إيمان عبد الرحيم: النشور

Thetriumphofdeath

Pieter Bruegel the Elder, “The Triumph of Death”, 1562. Source: Wikipedia

“انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً
سورة الإسراء، آية ٢١

 

“القيامة النهاردا الساعة ستة بعد المغرب… يلا قومي.“
استيقظت مشدوهة في الواحدة ظهراً، على صوت ماما تردد هذه الجملة بصوت منذر وعلى عجل!
سألتها كيف عرفت؟ فأجابتني بأن الخبر أذيع أكثر من مرة في نشرات الأخبار على كافة القنوات الأرضية والفضائية، المحلية والعالمية، العالم كله يعلم ويستعد وأنا الوحيدة النائمة بكسل على جنبي. سارعت بالنهوض من سريري، ثم سألتها عما يجب أن نفعله، طلبت مني أن أحضّر شنطة صغيرة آخذ فيها كل ما قد أحتاجه في الحياة الآخرة. سارعت أبحث عن إخوتي، فوجدتهم جميعا مشغولين بتحضير شنطهم. ذهبت إلى دولابي، واخترت شنطة ”باك” ضخمة، كي أتحرك بحرية، بينما هي معلقة على ظهري. وضعت فيها كيس فوط “نانا” الصحية النسائية القطنية، ومحفظة لا تحوي إلا صورًا فوتوغرافية بالأبيض والأسود، لمن رحلوا من عائلتي.  بعدها سارعت بالذهاب إلى صالة البيت وأخرجت من درج ”النيش” الذي يتوسط أحد جدرانها شريط دوائي المضاد للاكتئاب، ألقيت الأشياء في الشنطة على عجل، توقفت سارحة لثانية، أفرغت بعدها الشنطة من جديد، سارعت إلى المكتبة والتقطت المجلدات الخاصة بكتاب “قصة الحضارة”، لـ”وِل ديورانت”، لم أجد إلا أحد عشر مجلدًا فقط من أصل اثنين وعشرين مجلدا، بحثت في كل مكان عن المجلدات الناقصة، ولم أجدها، حزنت لعدم عثوري على المجلدات المفقودة، فكم كنت أود إكمال قراءة السلسة الضخمة قبل أن أموت. يبدو أنه غير مقدر أيضاً أن أقرأ ما تبقى لي حتى بعد رحيلي. انتبهت فجأة أن الوقت يمرق، فاكتفيت بالأحد عشر مجلدا، وحملتها مرصوصة فوق بعضها، الأقدم في الأسفل، فالأحدث أعلاه. قابلتني أختي وأنا أسير على مهل حاملة الكتب الضخمة ومتجهة إلى غرفتي، فصرخت في محذرة: إن هذه الكتب ثقيلة جداً، ووزنها سيعيق حركتي في يوم مهم مثل هذا. أخبرتها ساخرة أن هذا ليس من شأنها. في غرفتي، رصصت المجلدات الأحد عشر في قاع الشنطة، ثم وضعت الأشياء التي أفرغتها من جديد فوقها، أحضرت علبة سجائري، واخترت ولاعة سجائر لونها برتقالي فاقع، ووضعتهم فوق بالقرب من “السوستة”، في متناول يدي. أغلقت بعدها الشنطة، وحملتها على كتفيّ، وتحركت بصعوبة، نظرا لثقل وزنها، ثم خرجت إلى صالة البيت، فوجدت أن الجميع قد انتهوا قبلي.

استمر في القراءة

No more posts.