أودرا: محجوب يوم الابلونج

Joris Hoefnagel, “Mira Calligraphiae Monumenta”, late 16th century. Source: getty.edu

استطراد وجيز عما دار بعد زرعة محجوب
كنت قد رأيت ما كتبه يائيل عني وزرعتي منذ فترة، بعدها بقليل أتى إخوته يسحبونني إلى أحد بيوت أبيهم، وجدتني اليوم متسائلا أين ذهب يائيل وهو معي أبدًا كما رهنه لي أبوه، وجدته أمامي فورا حين يقظت وقد قضيت العام الفائت كله في سهو.
قفز يائيل إلى حصان بجواره فور أن لاحظ نورًا ظنه نوره – في مصباح مطفأ، وَسْط ظُلْمَة الغرفة التي كان فيها. نظر طويلًا إلى الحصان متسائلًا إن يراه هو وأجمَعَهم حولنا، يصيح به “هل أنت ميِت هل أنا نائم؟”.
اعتاد يائيل مؤخرا النوم على الأرض دون فراش، كان قد خرج من مخبئه مؤخرًا بعد أن غزَته الفئران. هجر سريره بعد أن غادرته القطط حَمقًا منه، تلتهم الفئران إليه فورًا؛ ربما كان كل ما يشغله هو الانفلات، لا من الفئران لكن من السرير الخاوي وما تلاه من حيرة، أو هذا ما قدّرته أنا؛ يصادق الفئران، أو هذا ما رأيته طوال عيشنا معًا، ربما لم يلحظ أنّي لست فأرًا وإن أحاطني بهم.

استمر في القراءة

محمود حمدي: في انتظار النهار

Roy Lichtenstein, “Sunrise C. II.7”, 1965. Source: 1stdibs.com

ضاع اليومُ في تغريدِ العصافير
رأيتُ جارتي المنشدة
غارقةً في نميمةٍ ملحمية
تتلو فصلها العاشرَ مع خيطٍ أبيضَ أنهى سطوة الليل.
تلكَ العصافير تنهشُ وعيي
تقتاتُ على التركيزَ
وتفتت اليوم كبسكويتةٍ قضمتها على سريري.

استمر في القراءة

حازم يحيى: ما يُحيل إليه الصمت

Hesham Elsherif, from “The Way to Hell”. Source: arabdocphotography.org

١
الهواء يلُفني كظل،
والبحر عينٌ في حدقة سارحة
صديق قديم معلقٌ بحبال من السماء
يبكي طموحاتٍ خبيثة
وعيناه تلمعان حين أصمت عن جنونه
ذات ليلة، دلّى أكثر من نصفه من شرفة بيته بالطابق السابع
مد رأسه عاليًا واستنشق هواءًا باردًا،
وفي الهواء خُيل له أنه وجد شيئًا
كان قد ملّ البحث عنه
رواية السماء مختلفة عن رواية الأرض
لأنه حين كُسر باب غرفته، سهونا عن رحيله بحاجاته المبعثرة على الأرضية
بينما هو يجرّب الوقوف عاريًا من كل شيء
ولو لمرة

استمر في القراءة

وثائق تاركوفسكي: مرتضى كربلائي لو، ترجمة فرزدق الأسدي

Tarkovsky’s “Stalker”, 1979. Source: bfi.org.uk

لو لم يكن تحذير وزارة الطاقة لتفريغ الفيلا كان من المستبعد أن يخطر على بال معصومة وعائلتها أن يدعوا أحداً إلى فيلاهم. الفيلا التي وفقاً لقرار الوزارة يجب أن يتم إخلاؤها قبل نهاية الشهر لم تكن تعد سوى مشروعاً مهدوراً كان من السهل التظاهر بالسخاء بشأنه. بهكذا فيلا كان بإمكان عائلة معصومة أن يتظاهروا بالمضايفة مكتسبين بذلك شعبية لدى القريب والبعيد. وبعد انتقالهم إلى الفيلا الجديدة كان بإمكانهم العودة إلى انطوائيتهم والتعالي على الآخرين.
كلنا كنا خريجي فرع السينما، وتقبلنا دعوة معصومة بحيرة، وبالرحب والسعة طبعا. الفيلا كانت في قعر واد معشوشب نضر، وكما تصفها معصومة كانت أصوات البلابل وهدير النهر تجعل أجواءها في الليالي تجنن.

استمر في القراءة

طارق الجارد: مباريات شطرنج خالدة ولكن بائدة

Two 12th-century chess pieces from Nishapur. Source: sothebys.com

مدخل

 

مضى على ظهور فكرة الشطرنج خمسة آلاف سنة. قليلة هي الأفكار التي تملك منطقا متماسكا لتصمد كل هذا العمر. أول حركة في اللعبة تحمل بداخلها عشرين احتمالا. أما أول حركتين في اللعبة فتحملان أربعمائة احتمالا، ثم تنفجر وتتشظى الاحتمالات لتتجاوز عدد النجوم في الكون. حينما تنظر إلى رقعة الشطرنج التي لا تتجاوز الذراع في حجمها أول مرة، لا يمكن لك أن تتخيل أن أربعة وستين مربعا مرقطا قادرة على استيعاب احتمالات بضخامة تداعيات الانفجار الكوني الكبير، وتتسع لمواقع معقدة كمواقع النجوم بصفحة السماء. يمكن تخيل المنجز الإنساني عبر التاريخ كله، من معمار وفن وشعر وفلسفة  رياضيات، كمباريات شطرنج. بعضه متكرر ومطروق إلى حد الابتذال كالأعداد الطبيعية، وبعضه وارد ومحتمل ولكنه لم يقع، كالأعداد التخيلية. بعضه تافه وضحل وعديم المخيلة، غير لائق بالخلود. وبعضه عميق وإبداعي وخلاب، نقش نفسه في الكتب وفي المخيلة البشرية. أيضا: بعضه عميق وإبداعي وخلاب جدير بالخلود، ولكنه اندثر كحضارة بائدة ومغمورة مثل جزيرة أطلانتس.

استمر في القراءة

أحمد الفخراني: عين الهر

حكاية الرجل الذي محا الشر

Salvador Dalí, “Alchemy of the Philosophers”, 1976. Source: phillips.com

بعد إيهام طويل بالدوران والتجدد، وصراعات لم تفض إلى شيء، قلت: سأنزع الشر عن حياتي، الزيف، الغباء، القبح، الجهل، الحماقة، البلادة، الانحطاط.
وضعت قائمة مفصلة بأسماء أشخاص مثلوا لي تلك الشرور، حذفتهم واحدا تلو آخر من الفيسبوك بعد رسائل غاضبة تمنيت فيها بوضوح لا يقبل المورابة أن يكفوا عن الوجود، لأني لم أر منهم سوى الأذى والاستغلال والعتمة.
في الشارع، سلمت الرسالة بنفسي إلى البقال الغشاش، البواب الذي يراقب كل  حركة أفعلها، ولم يتورع عن إثارة فضيحة بشأن فتيات الليل اللواتي أستقبلهن ليضئن وحدتي، لأني لم استسلم لابتزازه بالدفع كي يغض الطرف.
لم أنس ضمن القائمة الصيدلي الذي لا يتورع عن بيع حبوب مخدرة، لكنه بالنفاق الكافي ليسبني عندما طلبت منه حبوبا للإجهاض، بعد أن حملت مني إحداهن. صاحب الكافيه الذي يقدم خدمات رديئة بأسعار مضاعفة، ويكللها بقلة ذوق وجلافة. صاحب كشك السجائر، الذي تركني لعشر دقائق كاملة دون أن يجيب طلبي، ولما ذكرته بضرورة احترام زبائنه، تشاجرنا بالأيدي، مزق قميصي وأهانني. صاحب السايبر، الذي ادعى قدرته على إصلاح حاسوبي، وبعد أن ألحق به ضررا كلفني مالا أكثر لدى محل آخر، سخر من قدم الحاسوب والوسخ الذي يعتليه، فلقنته درسا عن الجودة والاتقان. هكذا انتهيت إلى أن أكف عن التعامل مع أغلب الدوائر القريبة من  شارعي، وصرت مضطرا لقضاء حاجاتي في شوارع بعيدة، وأن أستخدم للعودة إلى منزلي طرقا فرعية معقدة، لكن أكثر أمانا وأقل إزعاجا من الوجوه الكالحة المتربصة.

استمر في القراءة

𝐹𝑜𝓊𝓃𝒹 الماء والطين

يا هذا، هذا وصفُ غريبٍ نأى عن وطنٍ بُنِيَ بالماءِ والطين، وبَعُدَ عن أُلاّفٍ له عهدهم الخشونة واللين. فأين أنت عن غريبٍ طالت غربته في وطنه، وقلَّ حظّه ونصيبه من حبيبه وسكنه؟ وأين أنت عن غريب لا سبيل له إلى الأوطان، ولا طاقة به على الاستيطان؟ قد عَلاهُ الشُّحوب وهو في كِنّْ، وغلبه الحُزن حتى صار كأنه شِنّ. إن نَطَقَ نطق حزنان منقطعا، وإن سَكَتَ سكت حيران مرتدعا، وإن قَرُبَ قرب خاضعا، وإن بَعُدَ بعد خاشعا، وإن ظَهَرَ ظهر ذليلا، وإن توارى عليلا، وإن طَلَبَ طلب واليأسُ غالبٌ عليه، وإن أمسَكَ أمسك والبلاءُ قاصدٌ إليه، وإن أصبَحَ أصبح حائل اللون من وساوس الفكر، وإن أمسَى أمسى مُنْتَهَبَ السرِّ من هَواتِكْ السّتْر، وإن قالَ قال هائباً، وإن سكتَ سكت خائباً، قد أكلهُ الخمول، ومَصّهُ الذبول، وحالفه النّحول. لا يتمنى إلاّ على بعض بني جِنسِهِ، حتى يُفْضي إليه بكامِناتِ نفسه، ويتعلّل برؤية طلعته، ويتذكر لمشاهدته قديم لوعته.
— من كتاب الإشارات الإلهية لأبي حيان التوحيدي

922-1023

خرائط يونس: محمود حسني | فصل من الرواية الجديدة

Hiroji Kubota, Guilin, China, 1979. Source: magnumphotos.com

من فوق الخزان، والضباب الصباحي لا يزال يتسلَّل إلى ما بين الأشجار والبنايات، مالئًا كل الفراغات الشفيفة ليحيل المكان إلى فضاء رمادي كثيف، كان هو واقفًا، عيناه شاردتان تجاه الأفق المُمتد حين رأى تشقُّق رمادية الأفق على تكاثفها، ظاهرًا منها ثلاث هيئات مهيبة تسبح في السماء.
لم تكن الهيئات تسبح تجاهه، هو الواقف على جسد الخزان، فوق وريد النهر، بين الجزيرة والمدينة. بل كانت تسبح آتية من وراء امتداد المدينة عابرة فوق النهر تجاه غابة أشجار الجزيرة. وبتمهل كأنها ناعسة، كانت الهيئات تقطع جسد السماء. وحين مرّت أمام عينيه، تلمَّس المشهد: حوتان كبيران، أحدهما يتقدم الآخر، وصغيرهما بينهما. وهو واقف، فوق الخزان الجاف، يتتبَّع تمزيقهم بلاجهد هشاشة الأفق.

استمر في القراءة

محمود المنيراوي: رسائل من السويد

SWEDEN. Stockholm. 1994.

Ferdinando Scianna, Stockholm, 1994. Source: magnumphotos.com

أنا وهو
كنّا في وضحِ النهار
يستنجدُ بالمارةِ، الناس والكلاب والقطط
لكن أحداً لا يراه
أجُرّه خلفي بسلسةِ وعودهِ
ودمه الأبيض يطبعُ الحادثة على الأسفلت خطوط مشاة
يكلّمني، والدمعُ المغلي في عينيه، يسألُ:
ما ذنبي؟

استمر في القراءة

No more posts.