محمد هاني: تحليق اضطراري

Coney Island Loop the Loop Roller Coaster Patent Poster. Source: allposters.com

من أين تقلع كوابيسنا؟ لماذا تصلنا؟ وإن صادفتنا في يقظة بعد غفلة، هل هناك رسالة يجب قراءتها؟ أم أنها نبوءة ذاتية التحقق؟
محاولا إجابة سؤال عن ماهية خوفي من المرتفعات، إن كان أثرًا ممتدًا لحادث، أم انعكاسًا لقلق دفين شق طريقه إلى سطح السلوك على هيئة هلع داخلي فصل صاحبه عن كل ما قد يجري حوله لو انتبه لموقفه والمسافة بينه وبين أرض مستقرة فوق هوة عميقة. ظل ترتيب الأحداث مخادعا، وتضاءلت ثقتي في الذاكرة، لكن شيئا واحدا استقر بأحلامي وهو تحديق الهاوية بي، وأحيانا إحكام قبضتها علي وابتلاع جسمي المنهار استسلاما بإحدى شرفتي منزل عائلتي.

استمر في القراءة

محمد حسني عليوة: لا تعرفين عنّي حين أُجنّ

Alex Majoli, Wall in the studio of artist Ellsworth Kelly, 2012. Source: magnumphotos.com

لا تعرفين عنّي حين أُجنّ
حين يصدر عن فمي شخيرُ البحرِ
وأزيزُ الطائراتِ
وعواءُ الطرقِ الوعرة
وانفجاراتُ الشوارعِ بالقنابلِ الموقوتة
وانشقاقُ المتاهاتِ على قاطنيها.
.

استمر في القراءة

أمجد الصبان: مصارع الأحلام

Karishma D’Souza, “Dream creature – What none spoke of”, 2018. Source: artsy.net

كانت الأحلام تكرهه حقًا، تذهب إليه من أجل لقمة العيش فقط.
عندما يجدون اسمه على قائمة الحالمين لهذه الليلة، يرتعدون خوفا> تصلي الأحلام كلها حتى لا تكون من نصيبه. ومن يقع عليه الدور منها  يربتون على ظهره بمحبة ممزوجة بالشفقة. يقول الضحية “لم أر مثل هذا الخراب الذي بداخله، أدخل حلمًا سعيدًا وأخرج ملطخًا بالدم  أو بشيء ممزوج  بالدموع. ادعوا لي أن لا أتحول إلى كابوس”. أو بحذر: “إذا عدتُ قليل الأدب، أرجوكم اشعروا بما مررت به”، يجيبونه بشفقة “لا تقلق”
كان في الثالثة والثلاثين من عمره، عاطلا عن العمل، بدون تجربة عاطفية، لا يفيق من ظلمات الغرفة أو أحيانًا عاملا، يمر بتجربة عاطفية، لا يمكث في غرفته قط.

استمر في القراءة

أحمد فؤاد الدين: سيموت الآن

Lyle Ashton Harris, “Blue Field”, 2010. Source: artsy.net

 

“نموت.. ننام.. وما من شيء بعدها
أبهذه النومة ننهي لوعة القلب؟”
هاملت، شكسبير
سأموت الآن. أقود سيارتي وقد تسرب النوم إلي حتى استحوذ عليٌ، لا أشعر بحركتها، لابد أنها تحافظ على سرعتها العالية، فقدت السيطرة على قدمي لكني أشعر بها تضغط على دواسة البنزين. يداي قابضتان على المقود ورأسي مستقر عليه، وآلة التنبية معطلة، ربما أنقذتني لو كانت تعمل، أحاول عبور الحد الفاصل بين النوم والإفاقة فالآن هو الحد الفاصل بين الموت والحياة، الموت يرحب بي وينتظرني، أما الحياة فتبدو بعيدة المنال كسراب شاهدته صباحًا يغمر طريق العودة تحت أشعة الشمس. أحاول وأحاول مرة بعد أخرى أن أفيق مما أنا فيه، لست مستعدًا للموت، لكني لا أملك أي إرادة. لا أعرف كم مر من الوقت، ربما جزء من الثانية منذ بدأت أنت القراءة، ربما ساعة.
سيموت الآن، أو ربما بعد دقائق، سيتركني أرملة بعد عامين فقط من الزواج، سأصير مثلًا لسوء الحظ، لا أزال صغيرة في السن، لم ننجب أطفالًا، سأحوذ لقبًا لم أتصوره. سيموت الآن تاركًا فراغًا لا يمكن ملؤه، ويتركني أرملة لا يمكن لها أن تعترف بما اقترفه أبدًا، ستجن أمه وتبكي، سيجمع أصدقاؤه صوره ويعلقونها في كل مكان، سيغيب ويترك أثرًا باقيًا في كل موضع عشنا فيه يومًا.

استمر في القراءة

أحمد الفخراني: جنة عدن… قريبا

Jaco van Schalkwyk, “Welcome to Paradise”, 2021. Source: artsy.net

برز إعلان في لوحة عملاقة تتلوى أضواؤه في غنج:
خايف من النار؟ جنة عدن… قريبا!
أدركت باستسلام أني ميت. وكنت خائفا من النار، تحديدا بسبب ذلك الإعلان المريب. لم يبد أن هناك طرقًا أخرى يمكن أن أسلكها، لهذا كان عليّْ أن أتقدم – مضطرا – إلى الجنة.
أهكذا يكون الموت إذن؟ سيرًا بلا إرادة في مسار بلا خيارات. قلت: كحياتي. الشيء الرائع في الموت، أنك تكتسب البصيرة، لكنك لن تعرف ما الذي تفعله بها.
على جانبي الطريق شموس خفيفة اللهب معلقة في أعمدة إنارة، حجارة، خلاء مرصوف بالأسفلت، كثبان من الرمال تنتظر الأسمنت والألمونيوم، أعمدة كهرباء ومصارف، ظلمة بيضاء، بيوت قليلة متناثرة بلا سكان لها عزلة الكوخ والقصر دون هيبتهما وبأبواب موصدة لا يمكن ولوجها، شاحنات عمياء بلا سائقين تمر من حين لآخر، براميل ومزيد من البراميل. يشبه الطريق إلى بيتي. أهذا حقا كل ما نراه خلف حجاب الموت؟ فقط ما عشته في الدنيا مكثفا وقاتما كأبخرة سوداء زنخة، مع لمسة شيطانية بعض الشيء لا تكاد تبين.

استمر في القراءة

مالك رابح: خمسة نصوص

Yann Mingard, from “Everything is up in the air, thus our vertigo”. Source: 1000wordsmag.com

الوقوع من على أغصان الشجر

 

كُنت صبيًا شقيًا، لكن هذا ليس متداولًا في أحاديث العائلة. تبهت شقاوتي مقارنةً بأخي الأصغر الذي، رغم بعدنا عن تلك الأيام، لا يزال إلى الآن يتم تذكيره بما كان عليه، بينما تشير إليَّ الأصابع، المتغضنة والمرتجفة، بوصفي الابن الأكثر وداعةً وهدوءًا والذي يسهل الضحك عليه، للدرجة التي يصير لزامًا علينا – أنا وهو – تقبل الأمر: أنا بهزة رأس خفيفة، متقمصًا الوداعة والهدوء المذكورين، وهو، ليثبت أنهم أيضًا يسهل الضحك عليهم، بابتسامة صغيرة معطوبة، تحمل قدرًا من الشفقة اللعوب والمفارقة؛ فبينما خرجت أنا صاغًا سليمًا من عفار شقاوتي، لسوء الحظ تركت التجارب والمغامرات ندوبًا وغرزًا في وجه أخي. كنتُ حذرًا وأذكي قليلًا، لم يجرفني التيار ولم تأسرني اللحظة فأقع من على أغصان الشجر، لكن أكثر الأشياء أهمية لا يتعلق بي بل بأخي؛ كان أكثر براءةً مني ودائمًا يوافق حين أخبره، بالخوف والقلق الذي لا بد يحل من السماء على أولئك الواقفين في أول الصف، أن عليه أن يسمع كلامي، بصفتي الأخ الأكبر، ويجرب هو أولًا.

 

استمر في القراءة

محمد عبد الكريم: واحد اثنان ثلاثة

Youssef Rakha, “Cairetros 1”, 2021

طوال الوقت فى غرفتي وحيداً وعاجزاً أمام فراغ البيت الصامت، وتبدو لي كل ليلة كالتى ماتت أمي فيها، صالحة لانطباق السماء على الأرض، وما عليّ سوى أن أفرد جسدي على السرير، وغارقاً فى الظلام أنتظر انتهاء الدنيا. لكن الليلة سد أبي الغرفة المظلمة عليّ بجثته الضخمة تاركاً ضوءاً شحيحاً من الخارج يمر بين رجليه. قال إنه يرغب أن نأكل سوياً، وما كان لي إلا أن ألبي رغبته.
فى ضوء الصالة، بدا الوهن يقرض يديه المرتعشتين وركبتيه، وهو يحاول الجلوس على الكرسي بأقل الطرق إيلاماً. الشارب الذى دأب على تشذيبه قد ترهل. المضحك أن السيد “احلق ذقنك” كانت ذقنه تخاصم الموس. ما زال أبي يمارس الحنين على مائدة الطعام. تخيل أنه كان يقيم الدنيا ويُقعِدها بعشر جنيهات؟! يشترى البحر، ويُمطِر النقود على الناس فى الشوارع، لكن أيام زمان راحت. لم يقدم أحد على مقاطعته مرة. علينا فقط أن نستمع أو نتظاهر بالاستماع. لو كانت ماما معنا على العشاء. تنظر إلىّ وأخي نظرة أنه بدأ، تبتسم فنطأطىء رؤوسنا ونحاول كتم ضحكاتنا. لكن لا يوجد هنا سوى ما كان يفعله أبي بالعشر جنيهات، وصوت مضغه للأكل. أتطلع إلى وجهه، وللحظاتٍ لا أعرفه. أتابعه وهو يعاني من صعوبة المضغ بفمه شبه الخالي من الأسنان. صوت مضغه يتركز عند أذني، وأكاد أفرغ ما فى بطني.. حمداً لله شبعت.

استمر في القراءة

كارول صنصور: رائحة البحر

North Coast, 2018. By Youssef Rakha

في الحلم أنام جنب رجل رائحته كرائحة بحر بلاد أعرفها 
نحدق في سقف غرفة
متخيلين أننا نرى النجوم
بإصبعي أشير إلى كوكبة اصطفت على شكل فراشة
بخفة يطبع قبلة على كتفي الأيسر
حيث كان يحب أن ينام
وأمشي جنبه في حلم آخر

استمر في القراءة

علي لطيف: حمرا

Sohrab Hura (schizophrenic mother with her dog), India, 2008. Source: newyorker.com

أنا من أصول يونانية، هذا على الأقل ما قالته لي ماما. ماما لا تعرف من هو والدى. أول مرة قالت لي أنه مات بإحدى المعارك الأهلية قبل ولادتي، ثم تراجعت عن هذه الرواية قبل أسابيع من موتها، وأخبرتني أن والدى هو قطيع ذئاب. أجل، هذا ما قالته. مجنونة، صح؟
في آخر أيامها كانت كذلك. انزلقت في الليمبو. كانت تجلس على الشرفة بشقتنا المطلة على ساحة كوردوزيو لساعات، وتحدق في الناس. تصرخ أحياناً وتشتم المارين والطيور القبيحة، وفي مرات تركض عارية للشارع وراء البوليس صارخةً: سالفامي! سالفامي!
كانت تبدو فزعة كأن الشيطان بلحمه يلاحقها.
لم أستطع الاعتناء بها كما يجب على ابنة العائلة، ولم أملك المال الكافي لاستخدام ممرضة تسهر على رعايتها، كان عليّ أن أعمل طوال الوقت، ثلاثة حصص يومياً، ما عدا السبت. عليكِ أن تفهمِ أنه لم يكن لدي خيار.

استمر في القراءة

نذير عبد الله: عيادة الأدب الرديء

Nan Goldin, Guido on the Dock, Venice. Source: christies.com

(١)
حالما أنهيتُ تلخيص حياتي في الفترة الأخيرة له، سَلّمَ أنّني، في الواقع، بحاجة حقيقيّة إلى برنامج علاجي، ثمّ سألني إذا ما راودتني أفكارٌ انتحاريّة. لا، أجبت، الموت لا يثير اهتمامي1 – ميشيل ويلبيك – Seretonin

(١) هل تُطيقُ وداعًا أيّها الرّجلُ 
لم أبكِ حين رأيتُ جسدها يتدلّى من السّقف، لم أجزع، لم تصبني نوبة هلع. كنتُ هادئًا تمامًا، انتظمت ضربات قلبي، وحين نظرتُ في مرآة الخزانة عن يميني بدا أنّ ابتسامة ترتسم ببطء على شفتيّ. جلستُ على السّرير، وأخذتُ أفكّر في حفلة بيلي آيلِش التي شاهدناها سويّة في هلسنكي العام الفائت، حيث كانت تلبس بيجامة خضراء مخطّطة برسومات لم أتبيّنها من موقعنا البعيد.  قرابة منتصف الحفلة غنت “ادفن صديقًا”، وأخذت تقفز يمنة ويسرة بخفّة طفلة غفل أهلها عنها. حين نبت صوتها وسط جموع المردّدين “ماذا تريد منّي؟ لماذا لا تهرب منّي؟” شعرتُ بحاجة إلى سيجارة، فنظرتُ إلى سارة التي انحسر حجابها عن مقدّمة رأسها قليلًا بفعلِ تحريك اليدين المستمرّ إلى أعلى وإلى الوراء، اقتربتُ كثيرًا منها كي تسمعني:
– سارة، بدّي أطلع أدخّن سيجارة
– ما تروح، خلّيك
– بس…
– ما في تروح.
أمسكت ذراعي اليمين وشدّتني إليها، وضعت يديها أعلى حوضي، وقفت على رؤوس أصابعها وقبّلتني “هاي بدل السيجارة”، ثمّ أعادت تثبيت حجابها.

استمر في القراءة

أحمد ناجي: أختي

Isabela Castelan, Karma, 2016. Source: lauraiartgallery.com

١
لم أسمع نداءه لأن السماعات  في أذني. لم أشعر به إلا وباب الغرفة يفتح بعنف، يقتحم حجراتنا مثلما يداهم الأوكار في مهام عمله. 
وقف في فرجة الباب يرتدي بنطالا قطنيا أبيض، وفوقه فانلة داخلية حملات ابتلت في أجزاء منها بعرقه، وشعر صدره الغزير – أحمد الله لم أرثه منه – يطل من الفانلة.
نزعت السماعات من أذني، متوقعاً فاصل من الشتيمة المعتادة، ودون انتظار ما سيرمينى به قلت ملتجلجاً “بتنده عليا، سهران بذاكر مسمعتش.”
عكس توقعي، أتى صوته هادئاً، وجهه خال من الانفعال “البس هدومك، احنا رايحين لأختك” ثم انصرف من الحجرة دون شرح أو تفصيل.
أنا أصلاً لا أعرف لم هو في المنزل هذا المساء؟
نظرت للساعة في الموبايل، الواحدة والنصف بعد منتصف الليل. ماذا نفعل عند أختي في هذا الوقت؟

استمر في القراءة

كمطرقة: فلاش الفخراني

Chant Avdedissian, “Cities of Egypt/Greetings from Masr”. Source: sothebys.com

العدل
من يجرؤ على اتهام فكرة نبيلة كالعدل؟
لا أحد
لذا
وبخبث تام
نتهم الرومانتيكا
فالعدل في جوهره قضية رومانتيكية.

استمر في القراءة

حازم يحيى: ما يُحيل إليه الصمت

Hesham Elsherif, from “The Way to Hell”. Source: arabdocphotography.org

١
الهواء يلُفني كظل،
والبحر عينٌ في حدقة سارحة
صديق قديم معلقٌ بحبال من السماء
يبكي طموحاتٍ خبيثة
وعيناه تلمعان حين أصمت عن جنونه
ذات ليلة، دلّى أكثر من نصفه من شرفة بيته بالطابق السابع
مد رأسه عاليًا واستنشق هواءًا باردًا،
وفي الهواء خُيل له أنه وجد شيئًا
كان قد ملّ البحث عنه
رواية السماء مختلفة عن رواية الأرض
لأنه حين كُسر باب غرفته، سهونا عن رحيله بحاجاته المبعثرة على الأرضية
بينما هو يجرّب الوقوف عاريًا من كل شيء
ولو لمرة

استمر في القراءة

إلى حد اعتقادنا أن الفِناء سماء: شِعر حازم يحيى

Statue inside the Kom El Shoqafa catacombs (AFP image). Source: middleeasteye.net

مقبرة يونانية قديمة
في طفولتي،
دارت بي السماء فهويت إلى الأرض
على مستوى نظري تجاويفُ في الحائط
قبورٌ سريرية لعائلة قديمة
قدم هذه المدينة
ألهث والعرق يغطي جبيني
تهرع أمي بحبات بن لتَلأم الجرح.
في كهولتي،
دارت بي السماء فهويت إلى الأرض
هرعت أمي لتضع باقة زهور على قبري.

استمر في القراءة

البودكاست، مع مينا وإسلام 🎙: (٧) جنون الكتابة: مقابلة مع إيمان عبد الرحيم



Eman Abdel Rehim, courtesy of the subject

في الحلقة السابعة من بودكاست ختم السلطان، تتحدث الكاتبة ذات الصوت الفريد إيمان عبد الرحيم عن المرض النفسي والأدب واللغة، وكيف تصبح الكتابة في بعض الأحيان من سبل العلاج بل وسبيل إلى الخلاص والتعامل مع الألم. ورغم خصوصية تجربتها الشديدة فكلامها – للغرابة – ينطبق على الكثير من ضروب الألم التي تعالجها الكتابة.

 

بودكاست ختم السلطان هو إنتاج وتنسيق مينا ناجي وإسلام حنيش. هما من يختاران الضيف، ويحددان الأسئلة، ويديران الجوانب التنسيقية والتقنية. وليس للموقع فضل ولا عليه لوم غير استضافة البرنامج

في مأمن من الريح والتاريخ: شِعر روبرتو بولانيو ترجمة أحمد يماني

Gueorgui Pinkhassov, Tijuana, July 2012. Source: magnumphotos.com

بين الذباب
أيها الشعراء الطرواديون
لم يعد هناك شيء مما كان يمكن أن يكون لكم
موجودا
لا معابد ولا حدائق
ولا شعر
أنتم أحرار
أيها الشعراء الطرواديون الرائعون.

استمر في القراءة

مذاق: نيل جايمان ترجمة هشام فهمي

Jim Goldberg, San Francisco, 2000. Source: magnumphotos.com

استغرقت مني هذه القصة أربعة أعوامٍ كاملة كي أفرغ منها، ليس لأني كنت أعمل على تحسين وتلميع كلِّ كلمةٍ استخدمتها فيها، بل لأني كنت أشعر بالإحراج. كنت أكتب الفقرة، ثم أدع القصة وشأنها إلى أن تزول الحُمرة من وجنتيَّ، وبعد أربعة أو خمسة شهور أخرى أعود لأكتب الفقرة التالية. هكذا مرَّ الوقت وعجزت عن إكمالها بغرض أن تُطبع في ثلاثة أجزاء متتالية لأنطولوچيا من أدب الخيال العلمي الإيروتيكي نشرتها صديقتي إلين داتلو كما كان مفترَضًا. على كلِّ حال، نُشرَت القصة أخيرًا، لكن معظم فكرتها كان قد جاء من تساؤلٍ لديَّ عن عدم تبادُل الشخصيَّات لأيِّ حوارٍ في الأفلام والكُتب عندما يتطارحون الغرام أو عندما يتنايَكون حتى. عن نفسي لا أعتبرها قصة إيروتيكيَّة، لكن بمجرَّد أن انتهيت منها أخيرًا، لم أعد أجدها محرِجةً.

استمر في القراءة

مهاب نصر: المرآة والمهرج

W. Eugene Smith, Charlie Chaplin in Makeup, 1952. Source: christies.com

(١)
في الستينات والسبعينات عندما كنا نسأل الناس عن أية أهداف كانوا يتبعونها، كانوا يجيبون بطريقة متواطئة وواضحة جدا في مجالات الحياة العائلية السعيدة، كما كانوا يعرضون مشاريعهم للتوصل إلى الملكية الفردية، إلى شراء سيارة جديدة () نتكلم اليوم لغة مختلفة جدا حيث توجد مسألة تحقيق الذات، البحث عن الهوية، أو يتعلق الأمر بتطوير القدرات الشخصية ولكن غالبا بطريقة مبهمة () النتيجة هي أن الناس يغرقون أكثر فأكثر في متاهة الشك الشخصي وفي إرجاعه إلى أسباب شخصية، ولا يتوقفون عن الحاجة للتأكد من ذواتهم والنكوص اللامحدود من سؤال إلى آخر: هل أنا سعيد فعلا؟ هل حقا كونت نفسي؟ من هو بالضبط الذي يقول أنا ويطرح الأسئلة؟ أولريش بك، مجتمع المخاطرة

في ثمانينيات القرن الماضي كنت أعمل مدرسا في إحدى المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم في مصر. كنت أنا من يفرض الشروط على جهة التعيين: مدرسة قريبة من البيت (كان بإمكاني الوصول إليها في ربع ساعة سيرا على الأقدام)، اختيار الفترة (حيث كانت المدرسة تعمل لفترتين صباحية ومسائية)… ولأنني كنت كارها للوظيفة لم أتقيد أبدا بكثير من بروتوكولاتها”: لا أحضر الطابور، لا أحمل كراس تحضير، وأتحدى الموجهين المشرفين بأنني قادر على الشرح دون الرجوع إلى هذا الدفتر العجيب. أتغيب كثيرا، حتى إنني حينما تركت العمل كان لدي ملف مخالفات معتبر. كان سلوكي بصفة عامة متمردا، ولكنه مع ذلك كان يجد له مكانا داخل المؤسسة حتى على مستوى التقييم الإنساني.

استمر في القراءة

دينا ربيع: ليلتان ونهار واحد

Ahmed Gaber, from “We, the Living Dead”. Source: arabdocphotography.org

ألهبت سياط الشمس وركي وقرحته المناخس، كان لزاما أن أصل إلى آخر الشارع المرصوف بالعرق وصدأ الحديد، قطعت نصفه ثم عنّ لي أن أتأكد من صواب وجهتي من جندي وراء مصفحة؛ لأنني لا أحب أن أمضي نصف يومي دعسا في الصدأ ونصفه الآخر في علاج أنفي من أثر الريح المنتنة سدى، ولأن المصفحة كانت أكبر من مثيلاتها في شوارع البلد وأكثر زرقة. في صحراء الحديد هذه أحب البحر.

استمر في القراءة

سهى هشام: أبو فروة

Bruce Davidson, Widow of Montmartre, Paris, 1956. Source: magnumphotos.com

البطانية الكاروهات الصغيرة
لازالت في موضعها
تحمل دفئ جسدك الخفي
تحضرّين “أبو فروة”
لنجتمع على مأساة تقشيره
مأساة تشبه العائلة
أعددتِ القهوة ممزوجة برائحة البطاطس
احتفالاً بتخلصك من زوج مجنون
بيتك المليء بالاختيارات
قد جف وأصبح خالياً
أشاهد المصارعة لتفريغ الغضب
وروحك تنقر علي شباك الغرفة
وسط صيحات المصارعين
سأزور بيتك
لن أزور إلا هو
لكنني لن أدخل
No more posts.