مريم عبد العزيز: سجاجيد

Source: lillarugs.com

١
الحائط بحذاء السرير
منه ينبعث البرد
ليملأ الغرفة
رغم النوافذ المقفلة
وسجادة الصوف الكبيرة؛
حملها أبي من بلد عربي
لجأ إليها هربا من حصاره
ليفاجأ بالحصار الاقتصادي.
وجهة غير موفقة
لرجل يعاني من الاكتئاب.

.

استمر في القراءة

كريم محسن: اليوم الأول في العمل

David Reinfeld, “About Face #5”, 2018. Source: artsy.net

-١-
أمام البوتجاز، أقف مرتديا فانلة قطنية بيضاء يحتضنها بعناية بوكسر كحلي، وشراب أسود اللون يخنق قصبة ساقي. ذقني الحليقة تجعل وجهي ضخم وأبله، مما يليق بدوري الجديد كموظف تخرج منذ ثلاثة شهور فقط من الجامعة. رائحة الصابون تفوح مني وتثير داخلي قرفًا محتملًا، تناسيته مع رائحة البن المحوج التي تحتل فضاء المطبخ. سيجارة ميريت أصفر بين شفتي، وأصابع يدي تتأهب لكنكة القهوة حتى لا تفور وتفسد صباح يومي الأول في العمل. قطرات عرق في سباق مستمر على جبيني، بلا قواعد أو خط نهاية محدد: تمتزج قطرتان مع بعضهما وتشكلان قطرة كبيرة، تسقط في النهاية على الفانلة وتصنع بقعة شفافة ضخمة، سرعان ما تجف. قطرة صغيرة ينتهي مصيرها عند حواجبي الكثيفة. بعض القطرات تفضل النهايات الدرامية، فتسلك طريقها باتجاه عيني قبل أن أقضي عليها بمنديل.
سكبتُ القهوة في الفنجان، وضعتها على السفرة، اتجهت للحمام، غسلت وجهي بالماء وجففته معلنًا نهاية سباق قطرات العرق، وبداية سباق جديد: اللحاق بأتوبيس العمل بعد نصف ساعة.

استمر في القراءة

أحمد ناجي: عبده السكندري وبورخيس السويسري

خبزت أمى الكيكة وزينتها بالكريمة البيضاء والفواكه. أخرجتها من الثلاجة وسارت وسط أنظار وحماس الجميع حتى وضعتها على طاولة الطعام، ثم بدأت في غرس شموع عيد الميلاد الصغيرة فيها. أوشكنا على إطفاء النور وإشعال الشموع، اللحظة المثيرة التي من أجلها تسارعت دقات قلبي، لأني أحصل حينها على اهتمام وحب الجميع، قطعها رنين جرس  لباب. ذهبت مُسرعاً لفتحه متوقعاً أحد أصدقائي، لكني وجدت رجلاً طويلاً ونحيلاً، بأنف أفطس، عيون واسعة كبيرة كما الثور، ذقن حالكة السواد، بلوفر كحلي متسخ وبجواره حقيبتي سفر.
أبصرت خالو لأول مرة في عيد ميلادي الثامن.
في وجهه حزن شديد، ألجمني عن الإتيان بأي صوت أو حركة. انحنى بجذعه نحوي وسألني بالفرنسية بصوت هامس “لابد أنك شارل إذن؟”
جاءت أمي لترى من على الباب وحينما لمحته قفزت إلى حضنه. بين الفرح والدموع قالت لي بالعربية “سلم على خالك عبده”.
أتى فجأة مثلما رحل فجأة.
استقر في بيت جدتي المجاور لنا في ذات الشارع. بيت قديم من ثلاثة أدوار. سكنه وحيداً لأن كل أخواته البنات يعشن مع أزواجهن، وأخاه يعيش في القاهرة منذ دراسته الجامعية. توقع الجميع أن يحمل هدايا من أوروبا في حقائبه، لكن لم تحتو إلا كتباً، وأوراقاً، وملفات بلغات مختلفة.
بعد أيام من مجيئه وصلت إلى الميناء شحنات أخرى من الكراتين والصناديق الخشبية، كل يومين كان يذهب بعربة ربع نقل إلى الميناء ويعود بها مُحملة، يرفض أن يُسَاعده أحد بل يظل طوال النهار يحمل بنفسه الصناديق من العربة إلى المنزل والعرق ينز منه، والإرهاق يستنفذ كل عضلة في جسده، ومع ذلك يستمر في الحمل وحيداً رافضاً أن يشاركه أحد في حمل صليب آثامه.
المزيد، والمزيد من الكتب، امتلأ بها المنزل.
لم يكن يخرج كثيراً، لكنه حرص على كسب ود الجميع، يحضر في التجمعات العائلية، يبتسم ولا يشارك في الأحاديث. يذهب أحياناً للكنيسة في الأعياد، لكن لا ألمح شفتيه تتحركان في الصلاة.

استمر في القراءة

No more posts.