طارق الجارد: فن الراوي المُريب

Hiroshige Utagawa, Forest of Suijin Shrine and Masaki on the Sumida River, 1856, 8th month. Source: artsmia.org

قراءة في ٣ قصص لأبي القصة اليابانية الحديثة: رينوسكي أكوتاغاوا

تنويه: هذا النص سيكشف أحداثا مهمة من قصص أكوتاغاوا. إن قرأت أكوتاغاوا مسبقا، فأزعم أنك ستجد شيئا مشوقا أدناه. وإن لم تفعل، فأزعم أن هذا الكشف لن يضير استمتاعك بقراءة قصصه بل سيضيف لها. لك أن تصدق زعمي، فتستمر. أو ترتاب، فتتوقف


هذه السنة، وتحديدا في العاشر من يونيو ٢٠٢٠م، أغلقت الشرطة السويدية ملف أكبر قضية في تاريخها دون القبض على جاني، أو التيقن من هويته. التحقيق بدأ في ١٩٨٦م، في الليلة التي أردى أحدهم أولوف بالم برصاصتين، وهو عائد راجلا إلى بيته من سينما مجاورة، برفقة زوجته. التحقيق يعد من أطول التحقيقات وأكثرها كلفة في التاريخ. استعان فيه السويديون بالإف بي آي، وتتبعوا ما يقرب من ٤٠٠٠ خيط وعلامة اشتباه. الشرطة أرادت أن تثبت كفاءتها للرأي العام مهما كلف الأمر من وقت ومال، فلا مهانة سياسية وفشل مثل العجز عن كشف قاتل أولوف بالم، رئيس وزراء السويد!
الأغرب من ذلك، أن قضية مقتل رئيس الوزراء السويدي لم تحل، رغم اعتراف ١٣٤ بقتل أولوف بالم.
أما لماذا يتطوع ١٣٤ شخصا للاعتراف بجريمة خطيرة كهذه، دون أن يكون لهم علاقة على الإطلاق بها؟! فهذا أمر ذو علاقة بمعنى ما برواية الحارس في حقل الشوفان.

استمر في القراءة

طارق الجارد: لا أحد يستدل على الطريق في شينجوكو

M. C. Escher, “Relativity”, 1953. Source: .justcolor.net

الحياة، إن كان ثمة بداية فعلية لحياة المدينة، لا تبدأ في طوكيو قبل العاشرة. إلا أن الناس تستيقظ باكرا لتسعى في المدينة. وهو ما يعني أن لدي فسحة من صباح أصرفها في شرب القهوة والقراءة، قبل أن أبدأ جدولي السياحي في طوكيو.
كالمتردد، قضيت الثلاث صباحات الأولى على الطرف القصي من محطة ميترو وقطارات “شينجوكو” في طوكيو، وبالأحرى في مقهى “القنينة الزرقاء”.
اليوم الرابع كان فارغا، والحقيقة أن ذلك لم يكن مجرد خيار مسبق فحسب، بل ضرورة. فالأفكار التي تراودني عن “الصياد غراخوس” لكافكا، كانت تسعى في عقلي، حتى لم تعد هناك شهية في ذلك الصباح لسعي آخر. غراخوس، الصياد الذي مات، ما زال يهيم في سفينة الموت داخل تابوته في بحارنا، وسفينته تنزل أحيانا على موانئ المدن ليلا، وتغادرها صباحا. وفي تلك الليالي النادرة، تتسنى له لحظات من الحياة يخرج فيها من التابوت، لكنه لا يستطيع إلا أن يعود له، حينما يصيح بوق الباخرة قبل الفجر. لا يعلم لماذا لا يموت مطلقا، ولماذا لا يعيش مطلقا، وأنا أيضا لا أعلم. لكنني أود جدا لو أعلم، إن كان تراخوس قد مر بميناء طوكيو البارحة ولم ألتقه. و إلا ماذا كان بوق الباخرة الذي أيقظني فجرا؟

استمر في القراءة

طارق الجارد: مباريات شطرنج خالدة ولكن بائدة

Two 12th-century chess pieces from Nishapur. Source: sothebys.com

مدخل

 

مضى على ظهور فكرة الشطرنج خمسة آلاف سنة. قليلة هي الأفكار التي تملك منطقا متماسكا لتصمد كل هذا العمر. أول حركة في اللعبة تحمل بداخلها عشرين احتمالا. أما أول حركتين في اللعبة فتحملان أربعمائة احتمالا، ثم تنفجر وتتشظى الاحتمالات لتتجاوز عدد النجوم في الكون. حينما تنظر إلى رقعة الشطرنج التي لا تتجاوز الذراع في حجمها أول مرة، لا يمكن لك أن تتخيل أن أربعة وستين مربعا مرقطا قادرة على استيعاب احتمالات بضخامة تداعيات الانفجار الكوني الكبير، وتتسع لمواقع معقدة كمواقع النجوم بصفحة السماء. يمكن تخيل المنجز الإنساني عبر التاريخ كله، من معمار وفن وشعر وفلسفة  رياضيات، كمباريات شطرنج. بعضه متكرر ومطروق إلى حد الابتذال كالأعداد الطبيعية، وبعضه وارد ومحتمل ولكنه لم يقع، كالأعداد التخيلية. بعضه تافه وضحل وعديم المخيلة، غير لائق بالخلود. وبعضه عميق وإبداعي وخلاب، نقش نفسه في الكتب وفي المخيلة البشرية. أيضا: بعضه عميق وإبداعي وخلاب جدير بالخلود، ولكنه اندثر كحضارة بائدة ومغمورة مثل جزيرة أطلانتس.

استمر في القراءة

No more posts.