إيمان عبد الرحيم: العلامة

larger

Jock Sturges, Misty Dawn and Jeremy; Northern California, 1989. Source: artsy.net

“فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
سورة البقرة، آية ٢٥٩

 

“تاكسي! مصر الجديدة؟”
يركن التاكسي على جانب الشارع لتركب، وتنظر للساعة الرقمية فوق العداد لتجد أنها الثامنة والنصف.
في أول إشارة مرور تقابلهم في الشارع على كورنيش “المعادي”، تشرع في التأفف مللاً من الزحام، ثم إن السائق يستمع على كاسيت السيارة إلى المطرب “مصطفى كامل” بصوته القميء، في أغنية “نادم”، والتي لا يتوقف فيها عن الندب. تلوم نفسها على كونها نسيت أن تحضر معها “الإم بي فور“ وكتاب ما، لتتسلى بقتل الوقت معهما في مثل هذه السكة الطويلة.
 تذكرت أن معها ”الأيبود” ذا البطارية شبه الفارغة، لا بأس، يمكن على الأقل أن تمضي بعض الوقت بلعب فيديو جيم “كاندي كراش”. فصل شحن “الأيبود” سريعاً كما توقعت، فقررت أن تركز في الطريق. كانا قد وصلا إلى شارع “صلاح سالم”، ناحية “عين الصيرة”. الطريق بشكل عام جيد، خالي من الاختناقات المرورية، حمدت الله، وواست نفسها بوصول قريب للبيت. عند “القلعة” فوجئت بسيارات ترجع عكس اتجاه السير رغم خواء الشارع، سألت السائق متعجبة، فأجاب بأنه لا بد أن هناك شيئاً ما يحدث في مقدمة الطريق، نظرت إلى الشارع أمامها، فوجدت الشارع خاليًا من أي اختناق على مدى بصرها.

استمر في القراءة

إيمان عبد الرحيم: النشور

Thetriumphofdeath

Pieter Bruegel the Elder, “The Triumph of Death”, 1562. Source: Wikipedia

“انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً
سورة الإسراء، آية ٢١

 

“القيامة النهاردا الساعة ستة بعد المغرب… يلا قومي.“
استيقظت مشدوهة في الواحدة ظهراً، على صوت ماما تردد هذه الجملة بصوت منذر وعلى عجل!
سألتها كيف عرفت؟ فأجابتني بأن الخبر أذيع أكثر من مرة في نشرات الأخبار على كافة القنوات الأرضية والفضائية، المحلية والعالمية، العالم كله يعلم ويستعد وأنا الوحيدة النائمة بكسل على جنبي. سارعت بالنهوض من سريري، ثم سألتها عما يجب أن نفعله، طلبت مني أن أحضّر شنطة صغيرة آخذ فيها كل ما قد أحتاجه في الحياة الآخرة. سارعت أبحث عن إخوتي، فوجدتهم جميعا مشغولين بتحضير شنطهم. ذهبت إلى دولابي، واخترت شنطة ”باك” ضخمة، كي أتحرك بحرية، بينما هي معلقة على ظهري. وضعت فيها كيس فوط “نانا” الصحية النسائية القطنية، ومحفظة لا تحوي إلا صورًا فوتوغرافية بالأبيض والأسود، لمن رحلوا من عائلتي.  بعدها سارعت بالذهاب إلى صالة البيت وأخرجت من درج ”النيش” الذي يتوسط أحد جدرانها شريط دوائي المضاد للاكتئاب، ألقيت الأشياء في الشنطة على عجل، توقفت سارحة لثانية، أفرغت بعدها الشنطة من جديد، سارعت إلى المكتبة والتقطت المجلدات الخاصة بكتاب “قصة الحضارة”، لـ”وِل ديورانت”، لم أجد إلا أحد عشر مجلدًا فقط من أصل اثنين وعشرين مجلدا، بحثت في كل مكان عن المجلدات الناقصة، ولم أجدها، حزنت لعدم عثوري على المجلدات المفقودة، فكم كنت أود إكمال قراءة السلسة الضخمة قبل أن أموت. يبدو أنه غير مقدر أيضاً أن أقرأ ما تبقى لي حتى بعد رحيلي. انتبهت فجأة أن الوقت يمرق، فاكتفيت بالأحد عشر مجلدا، وحملتها مرصوصة فوق بعضها، الأقدم في الأسفل، فالأحدث أعلاه. قابلتني أختي وأنا أسير على مهل حاملة الكتب الضخمة ومتجهة إلى غرفتي، فصرخت في محذرة: إن هذه الكتب ثقيلة جداً، ووزنها سيعيق حركتي في يوم مهم مثل هذا. أخبرتها ساخرة أن هذا ليس من شأنها. في غرفتي، رصصت المجلدات الأحد عشر في قاع الشنطة، ثم وضعت الأشياء التي أفرغتها من جديد فوقها، أحضرت علبة سجائري، واخترت ولاعة سجائر لونها برتقالي فاقع، ووضعتهم فوق بالقرب من “السوستة”، في متناول يدي. أغلقت بعدها الشنطة، وحملتها على كتفيّ، وتحركت بصعوبة، نظرا لثقل وزنها، ثم خرجت إلى صالة البيت، فوجدت أن الجميع قد انتهوا قبلي.

استمر في القراءة

No more posts.