محمد هاني: تحليق اضطراري

Coney Island Loop the Loop Roller Coaster Patent Poster. Source: allposters.com

من أين تقلع كوابيسنا؟ لماذا تصلنا؟ وإن صادفتنا في يقظة بعد غفلة، هل هناك رسالة يجب قراءتها؟ أم أنها نبوءة ذاتية التحقق؟
محاولا إجابة سؤال عن ماهية خوفي من المرتفعات، إن كان أثرًا ممتدًا لحادث، أم انعكاسًا لقلق دفين شق طريقه إلى سطح السلوك على هيئة هلع داخلي فصل صاحبه عن كل ما قد يجري حوله لو انتبه لموقفه والمسافة بينه وبين أرض مستقرة فوق هوة عميقة. ظل ترتيب الأحداث مخادعا، وتضاءلت ثقتي في الذاكرة، لكن شيئا واحدا استقر بأحلامي وهو تحديق الهاوية بي، وأحيانا إحكام قبضتها علي وابتلاع جسمي المنهار استسلاما بإحدى شرفتي منزل عائلتي.

استمر في القراءة

سمية عبد الله: ١٥ يونيو

Antoine d’Agata, “COVID-19, Paris”. Source: artatatimelikethis.com

هل شاهدته؟
أكنتِ (ربما) خائفة يوم شعرتِ بالموت في تلك النظرات التي وجهتها لكل شيء
انتظرته؟
أم شعرتِ بالحزن؟
اليوم أنا شعرت بذاك التدفق
بعد هذا الوقت الطويل أستطيع ربما الكتابة عنه
تدفق بارد كالجليد
يمرر أصابع مسننة في أطرافك كنصل لكنه لا يجرح
قشعريرة مسكرة تنتابك لتغرقك في أعماق عتمة سحيقة
ذاك التمهيد عن الانفصال
الانفصال النهائي عن أمي
الجحيم الذي كنا فيه حرفيا نبتلع قلوبنا

استمر في القراءة

مهند عبد العظيم: قصيدة

Elliot Erwitt, 1955. Source: magnumphotos.com

قلتِ لي 
إن الحياة تفتح ذراعيها إليّ
ولم أكن أعرف أي حياة تقصدين. 
هل الحياة التي نتفادى الألم بالكتابة عنها 
أم حياتي أنا؟
.
كانت الحياة يا حبيبتي 
أقصد حياتي أنا على الأقل 
هي تفادي الخزي بالكتابة لكِ
كانت داخل حديقة يفصلها عن العالم حائط 
.

استمر في القراءة

نيللي جرجس: فقاعة

Anne-Françoise Cart, 2017. Source: anne-cart.de

مستلقية في حوض الاستحمام أسترخي بعد حصة اليوغا أتفحص نتوءات الدهون الزائدة في جسمي وتشققات جلدي والخطوط الوردية المتعرجة للشعيرات الدموية على ردفي. دلائل النضج. كما أن أثر الشق في أسفل بطني هو دليل الأمومة. “أوسمة” كأوسمة الحرب، يقول الخطاب المدني الحديث المنتشر بين نجمات الفاشونيستا وسياسي العولمة.
لم تذب الصابونة الهاند ميد، من براند مشهور لمستحضرات العناية بالبشرة والتي تلقيتها هدية من ابنتي، لم تذب بشكل كامل.
دفعتها بقدمي نحو جدار الحوض وضغطت عليها برفق. تفلفصت أجزاؤها ببطء واندثر اللون الزهري المخلوط بذرات لامعة بين أصابع قدمي. شعرت بالرضا. لم ألعب كثيراً في طفولتي كان محرًجًا عليً اللعب بالطين والتراب وكنت أكره المعجون الملون المخصص للعب الأطفال ورائحته.
جسدي كله تحت الماء فيما عدا رأسي وركبتي. فطول الحوض لا يكفيني رغم أني متوسطة القامة. أرفع يدي خارج الماء بتثاقل استعداداً للنهوض فيشد انتبهاهي إحساس انحسار الماء عن جلدي.

استمر في القراءة

حسين فوزي: مشروع التخرج

Patrick Pietropoli, “Android 2021”. Source: artsy.net

يوم نتيجة التنسيق، دخل الطالب محمد أحمد والشهير على فيسبوك بـ محمد الجامد جدا، على أهله وقال: أنا اتخصصت ميكاترونكس، هصمم روبوتات وهقضي بقية حياتي مع المكن وحاجات زي كدا. مبتهجي الأسارير، ترك والديه، ثم عاد لغرفته حيث دفن نفسه في مضجعه وبكى ترمًا كاملا. سخر بعدها من الأمر. عندما يسأله أصدقاؤه أين كان طوال المدة الماضية، معتمدًا على عدم قابلية الموضوع للتصديق وسخافته سيرد: كنت بعيط في أوضتي.
الآن في سنته الأخيرة بالكلية، متأخرا عن دفعته بستة أشهر، كان يعمل على مشروع تخرجه.
يتكون المشروع من ماكيت معماري استعاره من صديق له، حذف منه تفاصيلَ كثيرة لينتهي إلى حجرتين. الحجرة الأولى خاصة بالنموذج ذكر وتتشكل من سرير ومصلى، والحجرة الثانية الخاصة بالنموذج أنثى ١، وفي ضيافتها نموذج أنثى ٢، خالية سوى من كنبة وطاولة عليها موبايل لعبة وشنيور مصغر. زرع الجامد البيانات في كل شخصية من الثلاثة عن طريق لوح إلكتروني أزرق يحتوي على شريحة متصلة بكمبيوتر برمج منه المعلومات التي من خلالها تدور أحداث القصة.

استمر في القراءة

شهر العنب المثلج: ديوان كاترينا غوغو كاملًا، ترجمة كارول صنصور

Original cover of “The Month of Frozen Grapes” by Katerina Gogou, courtesy of Carol Sansour

بيتي بحجم ذراعي ابنتي الممتدين
٤ سنوات بلا مأوى
حافية ومريضة وباردة
أدور
وأينما التفتُ
خلٌ وهيروين ومرارة
وأتحمل حتى لا يحزن الآخرون
ويأتي. وعلى ركبتي أقع أرضا
وأصبح بلية من طين
أتدحرج داخلي
وعلى نفس من روحي
التي ما زالت تشع
أتكئ
وأبكي ماء. ماء كثيرا
ولم يبق لي ماء
لكثرة ما بكيت
نشفت. وأصبحت حورية ذات قشور
وأصبحوا يخافون مني

استمر في القراءة

رائف بشير: سقوط حر

Kiki Smith, “Free Fall”, 1994. Source: artsy.com

هذا سقوط حر
تعوزني البلاغة فلا أصرخ
أمسك الهواء كعبد الحليم
بيدي
وأخيط شفتي كي لا أتقيأ قلبي
بالأمس تقاعدت پورن ستار جامدة
– كنت أرى في كحلها السائح
علائم معاناة أعرفها –
وهكذا الليلة أذهب إلى الحفلة وحدي

استمر في القراءة

مريم عبد العزيز: تسوّق

E. Béchard, Azbakeya Garden under construction, 1874 (digitally coloured). Source: rawi-magazine.com

عند بائع الكتب القديمة
حول سور الأزبكية
اشتريت كتابا للشعر
بجنيهات قليلة
في طبعة بيروتية
بغلاف مقوّى
لا يمكن مقاومة إغراءها
بجنيهات قليلة

استمر في القراءة

مهدي محسن: بُرْتُقال فِي اَلمعِدة

Justin Favela, “Wrapped Orange”, 2022. Source: artsy.net

يَمُر اَلغُبار مُرْتفِعًا فَوْق المباني المتراصَّة فلَا يَتَحرَّك شَيْء سِوى الملابس الممزَّقة، على زُجَاج المطْعم اَلمُغبر مِن الدَّاخل اِلتصَقتْ ذُبَابَة مَيتَة، مِن الخارج يَنقُرها عُصْفُور، مِنْقاره يَرِن على الزُّجَاج.
على الواجهة أيْضًا لَوحَة بِلاسْتيكيَّة لِلْعروض على الوجبات، مُثَبتَة بِحبال زَرْقاء نَحِيلَة، رَبطها بِهويَان بارْمَان مِن دَكَّا، سليل عَائِلة مُحترمَة، اَلأُم تَنَام مُتَأخرَة، اَلأَب يَنَام مُبَكرا، اَلأُخت اِنْخرَمتْ يَدهَا اَليُسرى فِي مَصنَع اَلنسِيج، اَليَد المحنّاة، الخالية مِن المعاضد، بِهويَان اَلذِي أكل عدسًا أَصفَر بِدون ملح وأرْزًا أَبيَض، رَبْط اللَّوْحة بَعْد أن تَمخَّط بِيَده، عليْهَا صُوَر لِمأْكولات لَهَا أَلوَان وليْس لَهَا رَائِحة، اللَّوْحة طُولَهَا مِتْر وَعَرضهَا مِتْر ، مَخلُوعة مِن الجانب الأيْسر، كُلمَا عَبرَت مِنهَا الرِّيح صفّرت.

استمر في القراءة

سلطان محمد: ثلاثة لإحدى وثلاثين

Kurt Cobain. Source: loudwire.com

العمْرُ من أفعال الطبيعة؛ أنت – ١

 

ستمرُّ الليلةُ، لا بأس. الوقت كله أصلًا عملية مرور بين ثقبين من نَفَس الله؛ ونحن نُلفَح ونتنهّد. إحدى-وثلاثونك دخلت في سلّة تفاحاتك المعطوبة، وهذا أمر جيد؛ لأنه يعني، فيما يعني، أنك تقترب أكثر من موتك. حفلةُ خلاياك الصاخبةُ تأخذ في التعالي أبعدَ من البُحّة إذ يقودها كيرت كوبين من نوع باطني يخصُّكَ وحدك. نيرڤانا ظهرت في التسعينات، مثلما ظهرت أنت على الوجود. مرّوا سريعًا تاركينَ بصمةً محفورة بعُمق بحر؛ أنتَ ما زلت تحاول غَرْس بصمتك على الماء غيرَ أنك تشربه بلا أثر لأنك سريع التعب، وتشخُّهُ، سريعًا كذلك، لأنك قليل الصبر. ثمت فروق كثيرة، بالطبع. بل لعل التشابهات لا توجد أصلًا لإيجاد مقارنة. أعلم. وهم يقولون، أيضًا، لا تقارن نفسك إلا بنفسك؛ غيرَ أنكَ لا تجد فروقًا تُذكر إلا على جسدِك، وتلك أفعال الطبيعة لا أفعالك!
.

استمر في القراءة

أنس الأسعد: على وضَم، أماسي فيليب روث في الديم شرق

Philip Roth. Source: vogue.com

i.
بين الفارق الضوئي الذي يأخذ بالحدقة ضيقاً وتقلّصاً (والمتناسب طرداً مع حرارة الشمس في الزقاق غير المُسفلت، والمسمّى في عاميّة الخرطوم “زلطاً”)، وبين عتمة (عتمة الدخول المفاجئ إلى منزل حَشَويّ غير مُرخَّص، ابتُدعَ على مخالفة بين منزلين مُرخّصين)، تأخذ بالحدقة اتساعاً وتمدداً، كانت خطواتُه أسرع بكثير.. إنه أثر الانبهار معكوساً.

استمر في القراءة

مالك رابح: عزف منفرد

André Kertész, “Violin Shop”, 1984. Source: artsy.net

أجد في نفسي ميلًا أن أغشى الأماكن بلا رفقة. لا أقطع وحدتي، أستكملها وسط غرباء. قبل أسبوعين اتصل بي صديق قديم من أيام الجندية ودعاني إلى زفافه. كان يعيش في مكان آخر، وفقط تقابلنا مرتين منذ رجعنا إلى الحياة المدنية. ثمة أصدقاء مشتركون. قلة. اثنان أو ثلاثة، عاشوا أيضًا في أماكن أخرى، ونسيت أن أسأل إن كانوا سيأتون. يوم السبت. من أربعة لسبعة. قال سيرسل لي الموقع بالتحديد. قلت ألف مبروك، ربما لعاشر مرة، ووعدته بالحضور.
وصلت هناك مبكرًا؛ كان تقديري للمسافة أكبر مما يلزم. ترجلت في بقعة أبعد. انحرفت عن الطريق الرئيسي وتجولت في الجوار. كان النيل قريبًا، لكن حجبته قاعة زفاف بعد قاعة زفاف بعد قاعة زفاف. كدت أختنق، ووقت رجعت إلى الطريق الرئيسي أحسست فوق ذلك بالتيه. سألت شابيّن كانا يلوحان بالذرة المشوية للسيارات المسرعة. كانا لطيفين، أعطياني توجيهات دقيقة، أوصلتني إلى لافتة مضيئة وحارس عجوز وقف جوار كرسي. ملت أتحقق من الأشياء بالداخل: ناس قليلة وحركة أقل. الساعة تخطت الرابعة بالكاد. وكنت لا أزال مبكرًا.

استمر في القراءة

محمد الدناصوري: كاتب الظل

The Ghost Writer, 2010. Source: cineimage.ch

حتى الآن، لا نعلم كيف وصلت إلينا هذه الأوراق، رغم العزلة التي كانت مضروبة حول صاحبها، ولا نعلم أيضاً ما إذا كانت حقيقية أم هي مجرد وهم صنعه خيال كاتبها؟ رغم ما تردد مؤخراً حول فضيحة الكاتب الشهير الذي نحت رواية كلاسيكية مشهورة بنفس أحداثها ونسبها لنفسه. على العموم، الأوراق بين أيدينا الآن وننشرها كما هي، ونتحمل توابع كل ما جاء فيها إخلاصاً فقط لنسبة – ولو كانت ضئيلة – في كونها حقيقية. وليحدث الله أمراً كان مفعولاً.
ننشر هذه الأوراق بناءاً على طلب صاحبها وعلى مسؤوليتنا.

استمر في القراءة

كلب ملوكي: قصة من كتاب أحمد كامل القادم

(من ليالي ألف ليلة)

Stephen Mackay, “Dog”, 2021. Source: artsy.net

أبي كلبٌ في البلاط الملكيّ، ومن بعده فأنا على أهبة كي أكون، ومن قبلنا أبوه كان كذلك، أمّا جدّي البعيد فكان قرداً، يتقافز بين يدي سلطانه. وكلامي ليس مجازية، صدقاً هو الواقع، كما جرى، وكما آملُ في قادمي أن يجري.
إن سيرة عائلتي تردُ في حكاية من ألف ليلة، وإن اختلطت ببعض التحريف، المقصود؛ في محاولة للاستئثار بكنزنا، الذي تعثّر صدفةً به، أوّلُ السلالة.
تذكرُ الحكايةُ جدّي البعيد بوصفه حطاباً معدماً، مدّ يوماً خطاه إلى البريّة في زمن كساد، متوغلاً أزيد مما اعتاد، إلى أن ألفى خميلة فأتى منها شجرةً وأزال عن جدارها الترابَ، وإذ بفأسه تصطك في حلقةٍ نحاسية مدغمة في لوح خشب. رفع اللوح فبان من أسفله درج، يغور في باطن الأرض. وهبط عبره فوجد عند آخره باباً يؤدي إلى قصرٍ متين البنيان، وفي أروقته صبية كالدرّة السنية، ينزع مرآها من القلب كلَّ همٍّ وبليّة. فسألته: “أيا هذا ومن تكون؟ أأنسيّ أم جنّي! إني هنا منذ عشرين سنة وما لمحتُ أثناءها أحداً من الإنس”. وأخبرته أنها سليلة ملوك في الأصل، لكن عفريتاً مغرماً اختطفها ليلة عرسها، ولخاطرها شيّد هذا القصر، وفيه يزورها كلّ ليالٍ عشر، فيمكث ليلةً واحدة. كما جعل لها قبةً منقوشة بطلاسم تلمسها كلما عرضت لها حاجة، وحينئذٍ يحضر العفريت ملبّياً من فوره.

استمر في القراءة

محمد المزروعي: نو، أو الوقوع في الشارع كعمل فني

 من البيت متوجهاً إلى محل تصوير، لتكبير “بادج” – بالجيم المُعَطَّشة – تزييني صغير، مرصع بوحدات خرز/ تِرتِر لامعة، نزلت ومعي رواية “الهوية” لميلان كونديرا، ترجمة د. أنطون حمصي، لأعود –  من بعد تكبيره ورقياً لتنفيذه حقيقة – لقراءة الرواية في المقهى.
وجدت البادج في الشارع منذ فترة، مرصع بفصوص فضية صغيرة، وفي وسطه كلمة:
NO
“نُوْ” بفصوص سوداء. قررت تنفيذه فنياً للمشاركة به في معرض، قاعدة البادج صغيراً ٨ سم.، والقاعدة الجديدة له ستكون ١٠٠ سم.، وما هي إلا دقائق أثناء المشي حتى اصطدمت قدمي اليسار بمستوى أعلى للأرض؛ أمام كُشك على ناصية شارع، الأرض محفورة بأكثر من مستوىً بسيط ومخادع، لا تدرك عدم استوائها.

استمر في القراءة

محمود حمدي: ساباتو والهذيان

Ernesto Sábato. Source: elperroylarana.gob.ve

لا أفكار حاضرة، ومع ذلك، برغم توحش الصفحة البيضاء ونفوري مما ينطوي عليه فراغها، أجدني مدفوعًا إلى الكتابةٍ.
أنتظرُ ميعادًا، يفصل بيننا وقتٌ كثير. كنت في صمت الإنتظار، أجعلُ الوقتَ أداة استجوابٍ لنفسي، كيف لي أن أبقى طافيًا في هذا الفلك؟، بمجرد أن حُدِدَ الميعاد وقتًا ومكانًا صارَ مركزًا، وصرتُ جُرمًا في فلكه. تتلاشى الهوايات والغايات في سبيل إنجازٍ وحيد، فأبلغ نفسي: فقط تخطى هذا الميعاد وأنت من بعده حرٌ كطير. أما الآن، مسلسلٌ في زنزانة الوقت.
ألم يحن بعدُ الميعادُ؟

استمر في القراءة

محمد حسني عليوة: لا تعرفين عنّي حين أُجنّ

Alex Majoli, Wall in the studio of artist Ellsworth Kelly, 2012. Source: magnumphotos.com

لا تعرفين عنّي حين أُجنّ
حين يصدر عن فمي شخيرُ البحرِ
وأزيزُ الطائراتِ
وعواءُ الطرقِ الوعرة
وانفجاراتُ الشوارعِ بالقنابلِ الموقوتة
وانشقاقُ المتاهاتِ على قاطنيها.
.

استمر في القراءة

سلطان محمد: العاشق الأعسَر

Paulo Bruscky, Letters Held by Left Hand, 1995. Source: artsy.net

لست بالشخص المميز، طبعًا. ولم أكن في يوم من الأيام، ولا أظنني سأكون كذلك يومًا ما. أعرف قدري جيدًا ومتصالح معه. عرفت هذا منذ تفتح إدراكي وتماشيت مع الأمر. أعمل موظفًا بسيطًا، وأهم ما لدي أن صحتي جيدة وصحة أمي وأبي وأخي وأختي، أن عائلتي الصغيرة باختصار، طيبون وسعداء بالحد المعقول. لم أفهم مرة ما الذي يعنيه الطموح والتوق إلى المكانة. بالطبع أعرف أن هذا المسمى بالطموح رغبة تنتاب بعض الناس، الغالبية العظمى كما يظهر، لكن يبدو أنني من استثناءات القاعدة القليلة. ذات يوم أخبرني أحد أصدقائي بأنني رجل خامل. وعرفت فيما بعد أن العرب قديمًا كانت تقول عن الرجل خاملًا إذا لم يُذكر ولم يكن ذا صيت، بالنسبة لهم كانت هي المعنى النقيض لمشهور أو خالد أو ما شابه. والحق أن معرفتي بالفروق بين هذه المعاني ليست جيدةً، كما يعرف رجل أن السليق عبارة عن رز وماء وحليب ولحم لكنه لا يعرف أيهم يأتي قبل الآخر في الطبخة وكمية المقادير. لكن “خامل” صديقي لها معنى مختلف، معنى معاصر. أن تكون خاملًا يعني أنك لا تسعى لتحقيق طموح ما، رغبة في مكاسب وفيرة أو مكانة مرموقة. بمعنى الساعي، الطَّمُوح. وبصراحة فالرجل على حق. أنا خامل. فليكن! لكنه أزعجني ذلك اليوم وهو يحكي لي عن خمولي وأن هذا الخمول عطب خطير في شخصيتي. كل هذا قاله وكأنما هو خلفية لكلامه السابق عن طموحه في أن يصير محاميًا قد الدنيا. لا أدري هل كلامه صائب بالفعل .أم أنه مجرد ردة فعل على ردة فعلي تجاه ثرثرته عن طموحاته إذ لم أكن أقول أكثر من “حلو… ممتاز… آها.. بالتوفيق”. كنت حينها أقلّب في جوالي وهو يحكي وأشاهد فيديوهات لخطاطين. في تلك الليلة، وبعد كلام صديقي، كنت أبحث في فيديوهات عن الطموح وتطوير الذات.

استمر في القراءة

غيث الأمين: ناصية

Josef Koudelka Canons’ Square. Beirut, Lebanon. 1991. Source: magnumphotos.com

في شارع الحمراء حسناوات، يقفن في ليل التقنين الحالك على طرفي ناصية ستراند سنتر، في منأى عن جرذان وعقارب ذهن المتشرد الستينيّ وبعيداً عن صومعته المظلمة ركن مكتبة الجرائد الآفلة – مستعمرة الصراصير تلك – يستقمن بعيداً عن بوله العابق والبؤس الذي لا يُحتمل في عينيه. تقف الجميلة في عمق السواد وتكشف فخذيها، في ندرة بقعة الضوء الحكوميّ للجليد الموسميّ، تخطو للوراء بكحل عينيها تَقْصُرُ الفراسة، تتخذ العتمة سيماء وتفرّج عن نهديها أحياناً لاحتمال اختلاس نظرة قد تشعل شهوة العابر في آخر الظل.

سمية عبد الله: كل شيء، كل الأشياء

Todd Hido, from “Interiors”. Source: tonermagazine.net/

كل شيء يبدو لوهلة
متشققا، ممتدا
محترقا
كل شيء في هذا الظلام
يبدو أيضا واهنا
يركض بلا رغبة
يغني بلا صوت
ينسحق بلا أثر
.

استمر في القراءة

No more posts.