من البيت متوجهاً إلى محل تصوير، لتكبير “بادج” – بالجيم المُعَطَّشة – تزييني صغير، مرصع بوحدات خرز/ تِرتِر لامعة، نزلت ومعي رواية “الهوية” لميلان كونديرا، ترجمة د. أنطون حمصي، لأعود – من بعد تكبيره ورقياً لتنفيذه حقيقة – لقراءة الرواية في المقهى.
وجدت البادج في الشارع منذ فترة، مرصع بفصوص فضية صغيرة، وفي وسطه كلمة:
NO
“نُوْ” بفصوص سوداء. قررت تنفيذه فنياً للمشاركة به في معرض، قاعدة البادج صغيراً ٨ سم.، والقاعدة الجديدة له ستكون ١٠٠ سم.، وما هي إلا دقائق أثناء المشي حتى اصطدمت قدمي اليسار بمستوى أعلى للأرض؛ أمام كُشك على ناصية شارع، الأرض محفورة بأكثر من مستوىً بسيط ومخادع، لا تدرك عدم استوائها.
This slideshow requires JavaScript.
عند انسداد سكة قدمي اليسرى لدى أحد المستويات – وكان مشيي بطيئاً – عرفت أنني سأقع، وبالحيطة السريعة تركت لرجليّ تسقطان على ركبتي، وقد حدث. لكن ثِقَل الجسم من الجذع له قانون آخر، فتركتني أرتمي سانداً بيديّ، وبدلاً من ترك نفسي للوقوع على وجهي مقابل الأرض، انحزت إلى اليسار فاكتمل الوقوع نهائياً واستقر جانب الوجه الأيسر/ الخد وعَظْمته الناتئة على الأرض.
شَارٍ من الكُشك لَمْلَم نظارتي وتلفوني، مع كلمات لطيفة، صاحبة الكُشك من مكانها تبدي اهتمامها السريع، لكن الموقف انتهى وطلبت كرسي، دقائق وأكملت مشواري للتصوير.
تضررت يدي اليسرى بخدوش بسيطة وركبتي، وأخذ البنطلون تشبيحات ترابية، زَيَّنته بمنطق جغرافي محدد لرسم دلائل حدوث الكعبلة. مَرَّت شارية على الكُشك لم تر الواقعة، نظرت إلى التراب على البنطلون وبجدية قالت: نَضَّف التراب ده، ما تسيبوش كده.
اشترتْ وانصرفت، سأل سِت الكُشك عنها، قالت: دي سِت جدعه قوي بتشتغل ف كام بيت هنا.
عندما بدا أن وجهي سيرتطم بالأرض، كل ما استطعته هو توجيهه ناحية اليسار ليأخذ الخد الأيسر الخبطة بدلاً من الأنف والفم والأسنان وربما العين بحسب تضاريس المكان غير المعروفة.
أتت الكُشْكِيَّة بمرآة لأرى وجهي، كدمة في محيط قُطْرٍ ٣ سم.، لونها مكتوم بدمٍ داكن غير مُتسرِّب، وعليها ما يبدو أنه رَشَّة جوز هند من رمل وتراب. أحسستُ عند الارتطام بِرَجَّة في رأسي، رَجَّة ارتطام قارب في النيل بموجات مرور سفينة ضخمة. دوخة بلا مغزى، لكنها خدرتني وقتاً طويلاً وشعرت معها بالحنان.
صَوَّرت البادج، جلستُ على مقهى، طلبت حلبة حصا، لم أقرأ رواية “الهوية”. كتبت ما حدث كفكرة لصياغة عمل فني، ففي بعض الأحيان يكون الأصل المرجعي لكل فن هو الوقائع في حد ذاتها دون إخفاء أو استخدام لعمل طبخة فلسفية أو جمالية، أو على أقصى تقدير سيكون ذلك أرشيفاً مؤقتاً إلى أن يأخذ تحولاته إلى أبجديات تناول أخرى.
الشارع متسع ومشغول بحياته، كونه تجميع قضاء مَهَام ومشاوير للأفراد بالأساس، فهو هذا المكان الذي يُصَوِّر نفسه بنفسه دون كاتب سيناريو وإنتاج وإخراج، فهذه الواقعة البسيطة لي ولأبطالها معي، الشاري من الكُشك وصاحبته، لم تكد تكون حتى نوعاً من إضافة رتوش على مجمل حركة الشارع، هي أقلُّ من حدوثها حتى.
وحتى كل حدثٍ مفارقٍ وعظيمٍ مهولٍ لا يشكل أي شيء إلا بمقدار كيفية الانتهاء منه.
٢ فبراير ظُهراً
بداية برج النمر الصيني
Like this:
Like Loading...
тнє ѕυℓтαη’ѕ ѕєαℓ. Cairo's coolest cosmopolitan hotel.