لم نألف شيئًا بعد: قصائد ورسوم رولا الحسين

أمنيات مستحيلة
كلّ ما أردتُه
أسنانٌ مستقيمة
كأسنان فتيات الإعلانات
ولحظةٌ رائعةٌ أمسكها من جهتيها
اليمنى واليسرى
وأمدِّدُها
لتدوم طويلا، لتدوم أبدا.
.
كلّ ما أردته أن يكون البلاط نظيفًا تحت قدمي
وأن تكونَ قدماي نظيفتين فوق البلاط
ولا شعر زائدًا على جسمي النظيف
وبطارية موبايلي مشحونة
والإنترنت متوفِّرٌ وسريع
وقناة الأفلام تعرض أفلامًا رائعةً بالصدفة
على شاشة تلفازي ال 46 إنش المسطحة
وثلجٌ يكفي لزجاجة ويسكي monkey shoulder
وأقلامُ رصاصٍ كثيرٍة مبريَّةٍ بحدّة
وكنبةٌ مريحةٌ وواسعة أنتقيها من متجر الأثاث المستعمل
وأختار لها قماشًا جديدًا بدقَّةٍ وسرعةٍ ككلّ ما اختار
ومعقّمُ يدين كي لا أضطرَّ لمغادرتها.
.
كلّ ما أردته
أن لا يحدث شيء
إلا صدفة جميلة
ترغمني على الابتسام
لتظهرَ أسناني المستقيمة
كأسنان فتيات الإعلانات.

بيانو
يدها اليمنى
مسدلةٌ
بموازاة جنبها الأيمن
طرف إصبعها الأوسط
يصل حتى أعلى ركبتها
يمرّ إبهام يدها على باقي أصابع يدها
وعندما ينتهي من الاطمئنان عليها
يلمس مع باقي الأصابع
قماش الفستان
ليتحقَّق من رقَّته
على فخذها،
أصابع اليد اليمنى نفسها
تصعد
لتتحسَّس أطراف خصلة شَعرٍ
تلفحها حرارة شمس الظُّهر الدّافئة
ثمّ تكمل حتى أسفل الخدِّ الأيمن
قرب الذّقن، عند الحنك
تقرصه قرصةً لطيفةً أكثر من مرَّة
بالابهام والسّبابة
ثمّ تنزل اليد
لتعدّل حِزام الحقيبة
عند كتفها الأيسر
وتستقرَّ ثوانٍ على الكتف
وتربّت عليه
قبل أن تهبط
عائدةً إلى جانبها الأيمن
بأصابع مرتخيةٍ
بعيدةً قليلًا عن بعضها البعض
بما يكفي ليمرّ الهواء بينها
ويحرِّكها كمن يعزفُ ببطء
على مفاتيح بيانو وهمي.

أمنيةٌ بحجم عصفور
كلَّ ليلة
أُخرِج من صدري
عصفورًا صغيرًا
أضعه على طاولةٍ صغيرة
قرب سريري
وأفتحُ له النافذة.
.
كلَّ صباح
أجد العصفور الصغير
نائمًا على صدري
ينتظر استيقاظي
ليدخل.

قلبٌ حزين
كامرأةٍ تتوسَّل غيمةً كبيرة
لتبتعد وتترك لها الشَّمس،
كغناء إديث بياف لآخر أغانيها،
كنافذةٍ مفتوحةٍ على صحراء،
أمسِّد بأصابع يدي
بعد أن أتخلَّص من خواتمها
المساحة الشّاسعة عند صدري
حيث يسكن تحتها تمامًا قلبي الحزين
وكي ينام قلبي الحزين،
الصَّغير جدًّا كعصفور الطَّنَّان
الكبير جدًّا كشجرة خرُّوب،
أدندن أي لحنٍ
إلى أن ننام
أنا وقلبي الحزين
الطَّري جدًّا كغيمة.

غرباء
لم نزل غرباء
لم نألف شيئًا بعد
لا الشمس
لا المطر
ولا صوت البرّاد المفاجئ
في منتصف الليل
لا الاستلقاء
بجانب أحدهم
تحت أحدهم
فوق أحدهم
لا انقطاع الكهرباء
ولا ثقل الدقائق الأولى
بعد انتهاء النهار
وبدء الكآبة
لم نزل غرباء ولم نتعلّم شيئًا
لا ضرورة الاستحمام
ولا الماء عمومًا
لا تركيب جملةٍ طويلة
ولا الإجابة عن أسئلةٍ معقدة
مثل: كيف الحال؟
.
لكنّنا ولأننا لا نزالُ غرباء
ولم نألف شيئًا بعد
ولم نتعلّم شيئًا بعد
ترانا ننظر مطولًا
إلى أصابع أقدامنا الطويلة
بانتظار أن تأخذنا
حيث تنمو الثورات
في حوض للزهور
في أكواريوم للأسماك
في قفص للعصافير
وفي حنجرة.

ممتلكات
نحن المتألّمون
لنا كنباتنا
وأغطيةٌ سميكة
تحجب الضوء
والهواء
والنظراتِ الفضولية
ولنا أقراص منومة
منتهيةُ الفعالية
وليالٍ لا تنتهي عند شروق الشَّمس
لنا معدات متقرِّحة
واسعة
نقطنها معظم الوقت
وصدرٌ متصدّع
اخترقه الرعد
ويسكنه البرق
لنا دموعٌ عالقة
في حنجراتنا
وأصواتٌ هادئة
وكلماتٌ قليلة
وطعامٌ غير صحي
لنا الداخل وتقلصاته
لنا ستائر مسدلة
وخططٌ مؤجّلة
وغبارٌ على المرايا
لنا بردٌ قارس
وأصابع حذرة
وابتساماتٌ مرهقة
ولنا كون موازٍ
نكون فيه جميلين جدًّا
وفرحين جدًّا
ولا نخاف اللمس.