مالك رابح: خمسة نصوص

Yann Mingard, from “Everything is up in the air, thus our vertigo”. Source: 1000wordsmag.com

الوقوع من على أغصان الشجر

 

كُنت صبيًا شقيًا، لكن هذا ليس متداولًا في أحاديث العائلة. تبهت شقاوتي مقارنةً بأخي الأصغر الذي، رغم بعدنا عن تلك الأيام، لا يزال إلى الآن يتم تذكيره بما كان عليه، بينما تشير إليَّ الأصابع، المتغضنة والمرتجفة، بوصفي الابن الأكثر وداعةً وهدوءًا والذي يسهل الضحك عليه، للدرجة التي يصير لزامًا علينا – أنا وهو – تقبل الأمر: أنا بهزة رأس خفيفة، متقمصًا الوداعة والهدوء المذكورين، وهو، ليثبت أنهم أيضًا يسهل الضحك عليهم، بابتسامة صغيرة معطوبة، تحمل قدرًا من الشفقة اللعوب والمفارقة؛ فبينما خرجت أنا صاغًا سليمًا من عفار شقاوتي، لسوء الحظ تركت التجارب والمغامرات ندوبًا وغرزًا في وجه أخي. كنتُ حذرًا وأذكي قليلًا، لم يجرفني التيار ولم تأسرني اللحظة فأقع من على أغصان الشجر، لكن أكثر الأشياء أهمية لا يتعلق بي بل بأخي؛ كان أكثر براءةً مني ودائمًا يوافق حين أخبره، بالخوف والقلق الذي لا بد يحل من السماء على أولئك الواقفين في أول الصف، أن عليه أن يسمع كلامي، بصفتي الأخ الأكبر، ويجرب هو أولًا.

 

دقّات

 

أرتدي ساعة يد لا تعمل كي أذكِّر نفسي دائمًا أن الوقت لا يوجد خارج رأسي.
كلنا لدينا أسبابنا الخاصة، بينما ارتدى غيري ساعةً تعمل كالموس في كل يد فلم تُزْهَق ثانية واحدة في النظر إلى المعصم الخطأ ارتديتِ أنتِ ساعة صغيرة تخصُ شباب أمك – بأرقام لاتينية تتوهج في الظلمة وذراعين مُنهكتين من احتضان القلق الهارب من كفّكِ – مُخلصةً لها لدرجة أنكِ كنتِ تتجاهلين ألق الخيارات الأخرى للساعات الجديدة وكأن الوقت في غير ساعتك الصغيرة سيتدفق في لغة غريبة.
لقد ناسبتكِ، بخدوش كثيرة في باطنها الفضّي وزحزحة إلى الزرقة في زجاجها، ذاك الذي كنتِ تنقرين عليه مرتين بسبابتك كلما تأخرت عليكِ، وأحيانًا، إذا ما جعلتك تخسرين رؤية مُناسبة في حفل موسيقي أو تفقدين العشرة دقائق الأولى من فيلم علقتِ عليه آمالًا عالية، كُنت تنقرين ثلاث مرّات، ناظرةً إليَّ كما لو كنتِ تنتظرين أن أنقر بدوري على زجاج ساعتي متجاهلًا بذلك خوفي العظيم من احتمال أن تتمرد تروسها وتقرر، في مكر طفولي، أن تجعل الوقت يحدث خارج رأسي، معك.

ستائر النسيان

 

يبدو أن أبي بلا ذاكرة في حين أني لا أستطيع إعطاء نفسي للحاضر؛ كل هذه السنين التي فيها جرينا – الواحد وراء الآخر – في دوائر، لا أقدر أن أصدق، كل هذا الوقت الضائع في الصراخ في وجوه الظلال كان فقط نتيجة لسوء فهم سخيف، لم يستطع أحدنا الانتباه له، والآن وقدر رأيناه معلقًا في سلسلة صدئة من السقف، الآن وقد اعترفنا لبعضنا أن هناك، رغم كل ما حدث، وقت لإصلاح ما حدث، الآن، وقد وجدنا الحل، سامحنا بعضنا.
أسميه تبادلًا للأدوار ويسميه أبي الحلول – أنت تحلُّ فيَّ وأنا أحل فيك. يجلس أبي دون حراك طول اليوم على كرسي، يشاهدني أعيد عيش حياته بالمللي، خطوة خطوة في الحجرة.
إنه حل مناسب للطرفين بأعراض جانبية قليلة؛ أحيانًا وأنا وحدي أصفع نفسي لأني أرسلت جوابًا لبنت الجيران أو أنكز صدري لأني دخنت سيجارة كليوباترا، لكن، حتى مع ذلك، كل شئ تمام فسرعان ما أنسى أنا الآخر.

سنتمنتالية

ينمو العشب بسهولة في الفراغات التي توفرها كتب الشعر، تنحدر شمس في البعيد في طرف الصفحة وتتوج استغراقي اللا إرادي في تفكير حالم ثمرة توت أو ورقة خضراء وقعت بالضبط على حافة قصيدة.
الكتاب في يدي اختار أضواء المدينة. أورقت بين جنباته ممرات متشعبة ومباني عالية إذا وقف المرء في إحدى شرفاتها يمكنه حينها أن يراني، رأسي في صدري، أتمشى في حارات الندم.
الكتاب حتمًا يتذكر جلبة على طاولة المطبخ. حائرًا كنتُ بينه وبين كتاب آخر للشعر، عبثت في شعري والسؤال كان: أيهما أختار وأضع مجازاته في حجرك؟
إنه خبر يذاع على الشاشات، كما لو أنه انتصار من نوع ما، كلما تصفحت الكتاب في يدي وتذكرت أن الكتاب الذي معك الآن، في مكان ما في شقتك، كان موغِلًا أكثر في السنتمنتالية.

خبئوا الوسادات

 

لي صديق أصاب عقله العطب، حتى اسمه صار غريبًا عنه،
ما الذي كان بمقدوري فعله غير الجلوس جوار سريره أسعل رماد أيامٍ مضت باحثًا في كرمشة الملاءَة وحركة يده
عن إشارة من الضفة البعيدة للتكرار العالق فيه؟
ربّاه، كم كان العالم مبللًا بالندى وخارجًا عن السياق حين خرج فجأة عن صمته وصرخ:-
أحدهم طار فوق عش المجانين.
كوب الماء يهتز فى يدي، هل أجاب أخيرًا على سؤالي المتكرر عن فيلمه المفضل أم إنه يطلب مني أن أصير زعيمًا هنديًا قصير القامة ويصير هو ر. ب. ماكميرفي في عليائه؟