محمود حمدي: في انتظار النهار

Roy Lichtenstein, “Sunrise C. II.7”, 1965. Source: 1stdibs.com

ضاع اليومُ في تغريدِ العصافير
رأيتُ جارتي المنشدة
غارقةً في نميمةٍ ملحمية
تتلو فصلها العاشرَ مع خيطٍ أبيضَ أنهى سطوة الليل.
تلكَ العصافير تنهشُ وعيي
تقتاتُ على التركيزَ
وتفتت اليوم كبسكويتةٍ قضمتها على سريري.
ألم يبدأ النهارُ بعد؟
أخرجُ ملابسي من عتمةِ الدولاب
إلى عتمةِ جسدي
أختارُ حذاءً وقميصًا ووجهًا مناسبًا لجدولي الأسبوعي.
السبتُ له الأبيضُ والوردي
والأحد رماديٌ
والإثنين رمادي
وإلى آخر الأيام رمادي.
فقط بشاشةٌ في المطلعِ
وما يتلوهُ حائر في الحياد.
 
ألم يبدأ النهارُ بعد؟
أتفقد جسدي
أتفقدُ رسائلَ لم تصل
وأتجاهل الرسائل التي تراكمت
“دعكِ من الرسائل، وتعالي زوري جسدي”
كم قطعني حلمُ الأمس
“ألم أكن أبحثُ عنكِ حتى ضعت مني؟”
تعالي، لعلَ النهارَ يبدأ.
ألم يبدأ النهارُ بعد؟
ألم تصل تلك الرسالة؟
ألم تحضرني تلك الضمةُ التي تشفي وجعَ عشرين سنة؟
على طاولتي المعتمة أنتظر،
سطّحتُ وجهي عليها، وتذكرتُ شجرةً وكوبَ لبن.
قالت أميإأنني عند ولادتي لم أتوقف عن البكاء،
“ولكنك الآن ميت” قالت في ما بعد.
أمي، أنا لم أتوقف عن البكاء
سوى أن مدامعي جفت
والحبلُ في يدي ربكِ كان صيفًا لجسدي
فجفّ.
فبكيتُ بقلمٍ أزرقَ
وبكيتُ على ورقةٍ مسطرة كانت لواجب مادة التاريخ،
والآن
أئنُ في الليلِ لاعقًا سبيل النصلِ على ذراعي
وأنتظر،
ألم يبدأ هذا النهار يا عمري؟
تأتين في حلمٍ
فأدعو السماءَ بامتنانٍ
وأصلي واقفًا، وأنتظر.
ولكن سرعان ما أدرك لوثةً
تركها الله فيّ وغادر
فلا تأتين في حلمٍ
إلا وانقطعت أنفاسي،
راكضًا ومعلقًا
أمدُ نحوكِ يدًا مبتورةً
فلا تكتملُ المسافةُ
ولا أراكي سوى
خصلات شعرٍ تسبحُ في الهواء.
 
فأشرَقُ بالهواء
يأتيني النهار.
 
ها أنا متعبٌ
رأسي يذوبُ على الطاولة، وانتظر
أراكي تعدّين لي مزاجَ اليوم في فنجانٍ.
فأنتظرُ
تطبعين قبلةً على الخد،
“سآتي اليومَ أو ستأتي أنت.”
فأنتظر
تعالي في منتصفِ الظهيرةِ، ظلليني
 لعلي أغفو،
 
معي قصيدةٌ ساخنة، أمسكتُ بها من أجلك
لعلنا نسّكرُ بوجعي قليلًا.
تعاليّ متشحةً بالليلِ، دفئيني
 
تعالي في أي لحظةِ، ضميني
لعلَي أستعيد جسدي
لعلَ اليوم يبدأ
لعلَ اليومَ ينتهي.
لعلي أتوقف عن الإنتظار.