
John Pomora, Interactive Reality, 2014. Source: artsy.net
-١-
ﺗﻣﺗد اﻟردھﺔ أﻣﺎﻣﻲ. ﺗﺗداﻋﻰ ﺣواﺋطﮭﺎ اﻟﺑﯾﺿﺎء ﻋن ﻣﺳﺎﺣﺎت زﺟﺎﺟﯾﺔ ﻛﺑﯾرة ﺗﺑوح ﻋن اﻷﺧﺿر اﻟواﻗﻊ ﺧﺎرج اﻟﺑﻧﺎﯾﺔ ﻋن اﻟﯾﻣﯾن، واﻷﺧﺿر اﻟﻣزروع ﻓﻲ اﻟداﺧل -ﻣﺣﺎﻛﯾًﺎ أﺧﺿر ﺧﺎرج اﻟﻘﺎرة ﺑﺄﻛﻣﻠﮭﺎ- ﻋن اﻟﯾﺳﺎر. ﺗﻌﺗرض ﻣﻧظر اﻣﺗداد اﻷﺧﺿر ﻋن اﻟﯾﻣﯾن واﻟﯾﺳﺎر ﻏرف ﯾﻐﻠب ﻋﻠﻰ ﺣواﺋطﮭﺎ اﻟزﺟﺎج اﻟداﻛن، ﻛﻲ ﺗﺣﻔظ ﺧﺻوﺻﯾﺔ ﺳﺎﻛﻧﯾﮭﺎ دون أن ﺗﺗﺧﻠﻰ ﻋن اﻟﺗﺄﻛﯾد ﻋﻠﻰ اﻟرﺣﺎﺑﺔ ﻟﻠﻣﺎرﯾن ﺧﺎرﺟﮭﺎ. ﺗﻣﺗد اﻟﺣواﺋط اﻟزﺟﺎﺟﯾﺔ ذات اﻟﻘواﺋم اﻟﻣﻌدﻧﯾﺔ اﻟﺑﯾﺿﺎء ﻟﺗﻛﺷف ﻓﻲ دأب ﻋﻣﺎ ھو ﺧﺎرﺟﮭﺎ، ﻟﺗﺻر ﻋﻠﻰ إﻧﻛﺎر ﺣﻘﯾﻘﺔ أن ﻻ ﻧواﻓذ ﺗﻧﻔﺗﺢ ﻓﯾﮭﺎ وأن اﻹﻧﺳﺎن إن أراد أن ﯾﺧطو ﺧطوة ﺧﺎرﺟﮭﺎ ﻋﻠﯾﮫ أن ﯾﻐذي ﻧظﺎم اﻷﻣن اﻹﻟﻛﺗروﻧﻲ ﺑﮭوﯾﺗﮫ ﻣرﺗﯾن ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ﻟﯾﺗﯾﺢ ﻟﮫ اﻟﻣرور. ﺗﻧﺗﮭﻲ اﻟردھﺔ ﺑﺣﺎﺋط أﻣﺎﻣﻲ ﯾﻧﻔﺗﺢ زﺟﺎﺟﮫ ﻋﻠﻰ ﻣﻧظر ﻏﺎﺑﺔ ﻛﺛﯾﻔﺔ اﻷﺷﺟﺎر ﻏﯾر أن إﺣﻛﺎم إﻏﻼق اﻟزﺟﺎج ﯾﺿﻣن أﻻ ﯾﺗﺳﻠل ﻋﺑره أي ﺟزيء ﻣن ﺟزﯾﺋﺎت اﻷﻛﺳﺟﯾن اﻟﻧﺎﺗﺞ ﻣن ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗﻣﺛﯾل اﻟﺿوﺋﻲ ﻟﻠﻐﺎﺑﺔ. ﻓﺎﻟﺗﻧّﻔس ھﻧﺎ ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺧﺿﻊ ﻟﻧزوات اﻟﺑﺷر اﻟطﻔوﻟﯾﺔ ﻓﻲ اﺳﺗﻧﺷﺎق اﻟﮭواء ﺑﺷﻛل ﻣﺑﺎﺷر ﻣن اﻟﺷﺑﺎك ﻟﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺗوﻟد ﻋﻧﮫ ﻓﺗﺢ اﻟﻧواﻓذ وﻏﻠﻘﮭﺎ ﻣن أﺿرار أﻣﻧﯾﺔ أو ﺗﻘﻧﯾﺔ ﻗد ﺗﺗﺳﺑب ﻓﻲ ﺗﺂﻛل اﻹطﺎر اﻟﻣطﺎطﻲ اﻟﻔﺎﺻل ﺑﯾن اﻟﺣواﺋط اﻟزﺟﺎﺟﯾﺔ واﻟﻘواﺋم اﻟﻣﻌدﻧﯾﺔ، ﻓﯾﺗﺳﻠل ﺗﯾﺎر اﻟﮭواء اﻟذي ﻛﺎن ﯾﺗﺳرب ﻗدﯾﻣًﺎ ﻣن ﺑﯾن ﺷﻘوق اﻟﻧواﻓذ اﻟﺧﺷﺑﯾﺔ ﻓﯾﻘدح ذﻟك اﻟﺗﯾﺎر اﻟﮭواﺋﻲ اﻟﻣﺗﺳّرب ﻓﻲ ﻗدرة اﻹﻧﺳﺎن ﻋﻠﻰ إﻧﺟﺎز اﻟﺳﯾطرة اﻟﻣطﻠﻘﺔ ﻋﻠﻰ اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻷﺳطورﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻻ ﯾﻌﺗرﺿﮭﺎ ﻋﺎرض. ﻟذا، ﻓﺣﺎﺟﺔ اﻟﺑﺷر ﻟﻸﻛﺳﺟﯾن ﻣﺣﺳوﺑﺔ ﺣﺳﺎﺑًﺎ دﻗﯾﻘًﺎ، ﻣﺎ أدى إﻟﻰ ﺗﺻﻣﯾم ﻓﺗﺣﺎت ﺗﮭوﯾﺔ ﺗﺿﻣن إﻧﻔﺎذ ﺟزﯾﺋﺎت اﻷﻛﺳﺟﯾن اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻠﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ﺣﯾﺎة اﻷﻓراد وﻧﺷﺎطﮭم. ﺗﺗوارى ﻓﺗﺣﺎت اﻟﺗﮭوﯾﺔ ﺗﻠك، وﻻ يُسمح ﻟﻘﺎطﻧﻲ اﻟﺑﻧﺎﯾﺔ اﻟﺗﺣﻛم ﻓﯾﮭﺎ وﻻ رؤﯾﺗﮭﺎ، ﻓﻛﻔﺎءة اﻟﺗﺻﻣﯾم ﺗﻘﺿﻲ ﺑﻌدم إطﻼق ﯾد اﻟﺑﺷر ﻟﻠﻌﺑث ﻓﻲ اﺳﺗﮭﻼك اﻟطﺎﻗﺔ. ﻟﻧﺑﻘﻲ ﺳﻠطﺔ اﻟﺑﺷر ﻓﻲ اﻟﻣﺑﻧﻰ ﻋﻠﻰ اﺳﺗﮭﻼك اﻟطﺎﻗﺔ ﻣﻘﺻورة ﻋﻠﻰ ﺗﺷﻐﯾل اﻷﺟﮭزة اﻟﻛﮭرﺑﺎﺋﯾﺔ واﻹﻟﻛﺗروﻧﯾﺔ اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻛﻲ ﯾﺗﻌرّف ﺳﻛﺎن اﻟﺑﻧﺎﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻣوﺟودات ﺧﺎرﺟﮭﺎ، وﻟﻧﻔرّغ ﻏرﻓﺗﯾن ﻣن ﻛل ﺗﻠك اﻟﻣوﺟودات، ﺣﺗﻰ ﻣن ﻣﺻدر اﻹﺿﺎءة ﻟﻛﻲ ﯾﻧﻔرد ﺑرﺑﮫ ﻣن أراد ﻓﻲ أي ﻣﻧﮭﻣﺎ، ﺳواء أراد اﻟﺻﻼة أو ﻣﻣﺎرﺳﺔ اﻟﯾوﺟﺎ.
أﻧﻌطف ﯾﻣﯾﻧًﺎ ﺑﺎﺗﺟﺎه ﻏرﻓﺔ اﻟﻣﻛﺗب ﻷﻟﻘﻰ ﻓﻲ اﻟردھﺔ اﻟﻔرﻋﯾﺔ أول ﻣن أﻟﻘﻰ “ﻣﺎرك”، ﯾرﺗدي ﻣﺛﻠﻲ ﻗﻣﯾﺻًﺎ ﻟﺑﻧﯾًﺎ، ﻓﻧﺑدأ معًا أداء ﺷﻌﺎﺋر اﻟﻧﻛﺗﺔ، واﻟﺗﻲ ﺗﺗﻛرر ﻣرﺗﯾن أو ﺛﻼﺛًﺎ ﻓﻲ اﻷﺳﺑوع: ﻧﻧدھش ﺳوﯾًّﺎ، وأﻗول ﻟﮫ ﻻ ﺑد ﻟﻧﺎ ﻣن أن ﻧوﺣّد اﻟزي ﻓﻲ اﻟﻣﺑﻧﻰ، ﻓﯾﺧﺑرﻧﻲ أن نحو ٧٠٪ ﻣن ﻗﻣﺻﺎن اﻟرﺟﺎل ﺗﺄﺗﻲ ﺑﺎﻟﻠون اﻟﻠﺑﻧﻲ، وﻟﻠﻣرة اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ھذا اﻷﺳﺑوع أﻧدھش ﺛم أوﻣﺊ ﺑرأﺳﻲ ﻓﻲ ارﺗﯾﺎح، ﻓﺎﻵن ﻓﺳر ﻟﻲ “ﻣﺎرك” ازدﺣﺎم واﺟﮭﺎت اﻟﻣحال ﺑﻛل ﺗﻠك اﻟﻘﻣﺻﺎن اﻟﻠﺑﻧﯾﺔ، واﻟﺗﻲ ﺗﺗﻘﺎﻓز ﺻورًا ﻓﻲ ذاﻛرﺗﻲ. أظن أﻧﻧﻲ أﻛﺛر ﺣظًﺎ ﻣن أرﺷﯾﻣﯾدﯾس، ﻓﺑﯾﻧﻣﺎ وھﺑﺗﮫ اﻟﺣﯾﺎة “أورﯾﻛا” واﺣدة، أﺣﺻل أﻧﺎ ﻋﻠﻰ “أورﯾﻛﺎ” ﻣرﺗﯾن أو ﺛﻼث ﻓﻲ اﻷﺳﺑوع. ﻻ ﯾﻣﻛن أن أﻧﻛر أن ﺗﻛرار اﻟﻧﻛﺗﺔ أﻓﻘدھﺎ اﻟﻣﻔﺎرﻗﺔ، ﻏﯾر أﻧﻲ أدﻋوك ﻟﺗﺻور أن اﻟﻧﺎس ﺟﻣﯾﻌﮭم اﻣﺗﻧﻌوا ﻋن أداء اﻟطﻘوس ﻣﺗﻰ ﺗوﻗﻔت ﻋن إﻧﺗﺎج اﻟﻣﻌﻧﻰ، ﻣﺎذا ﺳﯾﺑﻘﻰ ﻟﮭم ﻟﯾﺟﺗﻣﻌوا ﻋﻠﯾﮫ؟! ﺗﺧﯾل ﻣثلًا أن اﻟﻣﺻّﻠﯾن اﻣﺗﻧﻌوا ﻋن اﻟﺻﻼة ﻣﺗﻰ اﻓﺗﻘدوا اﻟﺧﺷوع؟! ﻛم ﻣﺻٍّل ﺳﯾﺑﻘﻰ ﻓﻲ ﺟﻣﺎﻋﺔ اﻟﻣﺻّﻠﯾن؟ أم ھل ﺳﺗﺑﻘﻰ ﻟﻠﻣﺻّﻠﯾن ﺟﻣﺎﻋﺔ؟ رﺑﻣﺎ راودﻧﻲ ﻣرة أو اﺛﻧﺗﯾن ﻓﻲ اﻟﺳﻧﺗﯾن اﻟﻣﺎﺿﯾﺗﯾن أن أﻟﻔت ﻧظر اﻟﻌزﯾز “ﻣﺎرك” إﻟﻰ ﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﺗﻛرار ﺗﻠك، ﻏﯾر أﻧﻲ أﺧﺷﻰ أن ﯾُﻘطّﻊ ذﻟك أواﺻر اﻷﻟﻔﺔ اﻟﺗﻲ ﺣﺎﻛﮭﺎ اﻟدأب ﻓﻲ ﻣﻣﺎرﺳﺔ طﻘوس اﻟﻧﻛﺎت اﻟﻣﺗﻛررة ﻋن اﻟﻘﻣﺻﺎن اﻟﻠﺑﻧﯾﺔ واﻟطﻘس السيئ.
*
إن ﻛﺎن ﻣﺎ ﯾﻠزﻣﻧﻲ ﻹﺗﻣﺎم اﻻﻧدﻣﺎج ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻣﻲ اﻟﺟدﯾد اﻟﻌﻧﺎﯾﺔ ﺑﺗﻠك اﻷواﺻر اﻟﻐﺿﺔ، ﻓﻼ ﻣﺎﻧﻊ ﻣن اﻟرﻛون إﻟﻰ اﻟطﻘوس اﻟﺗﻲ ﺗﺟﻣﻌﻧﻲ ﺑﺎﻟﻧﺎس ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺗﺳﻼم ﻟﻧزق اﻟﺑﺣث ﻋن ﻣﻌﻧﻰ ﻓردي.
أﺣﻣل ﻣﻌﻲ اﻟﻧﻛﺗﺔ وأدﻟف إﻟﻰ اﻟﻐرﻓﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺟﻣﻌﻧﻲ ﺑﺧﺎﻟد، اﻟذي اﻧﺿم ﻟﻧﺎ ﻣﻧذ أﺳﺎﺑﯾﻊ ﻗﻠﯾﻠﺔ، وﺳﺎرة اﻟﺗﻲ اﻓﺗﺗﺣت ﻣﻌﻲ اﻟﻐرﻓﺔ ﻣﻧذ ﻋﺎﻣﯾن، أرى ﺧﺎﻟد ﯾرﺗدي أﯾﺿًﺎ ﻗﻣﯾﺻًﺎ ﻟﺑﻧﯾًّﺎ، ﻓﺄﻟﻘﻲ إﻟﯾﮫ ﺑطرف اﻟﺧﯾط ﻟﯾﺷﺎرﻛﻧﻲ ﺷﻌﺎﺋر ﻧﻛﺗﺔ اﻟﻘﻣﺻﺎن اﻟﻠﺑﻧﯾﺔ، ﻓﯾﺗﺣﻣس ﻟﮭﺎ ﻛﺛﯾرًا، وﺣﯾن أﻧﮭﯾﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟﻲ وأﻓﺻﺢ ﻟﮫ ﻋن ﺳﺑب ازدﺣﺎم واﺟﮭﺎت اﻟﻣﺣﺎل ﺑﺎﻟﻘﻣﺻﺎن اﻟﻠﺑﻧﯾﺔ ﯾﻧﻔﺗﺢ ﻓﻣﮫ ﺑﺣرف “واو” ﻣﻣﺗدًا، وﺗﺗﺳﻊ ﻋﯾﻧﺎه ﺣﺗﻰ أﺷﻔق ﻋﻠﯾﮫ أن ﯾﻧﻔﺟر وﺟﮭﮫ، ﺛم ﯾﮭدأ ﻓﻲ اﻟﻠﺣظﺔ اﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﻟﯾﻘول ﻟﻲ “إﻧﮫ أﻣر ﻣﺛﯾر ﺟدًا”. ﯾﺑدو أن ﺧﺎﻟدًا ﺳﻌﯾدٌ ﺑـ”أورﯾﻛﺎ” ﺧﺎﺻﺗﮫ ﺣﻘًﺎ. ﻟطﯾف ﺧﺎﻟد؛ ﯾﺣﺗﻔظ ﺑﺑراءﺗﮫ اﻷوﻟﻰ اﻟﺗﻲ ﺗﺟﻌﻠﮫ ﻗﺎدرًا ﻋﻠﻰ ﻣواﺻﻠﺔ اﻻﻧدھﺎش ﻣن ﻛل ﺷﻲء وﻋﻠﻰ أن ﯾﻧﻔﺗﺢ ﻗﻠﺑﮫ ﻟﻛل ﺻورة. وﻻ ﻋﺟب ﻟدي، ﻓﻣﺗﻰ ﻧﺷﺄ اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ أﺳرة ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ إداﻣﺔ إﻣداده ﺑﻛل ذﻟك اﻟﻘدر ﻣن اﻟﺗدﻟﯾل، ﯾﻧﺣدر ﻟﮫ اﻟﻌﺎﻟم ﻋﻧد ﻋﺗﺑﺎت أﻗداﻣﮫ، ﺑﻌد ﺗﻧﻘﯾﺗﮫ ﻣن ﻛل اﻟﺷواﺋب، ﻓﯾﺗﺟﻠﻰ ﷲ ﻟﮫ ﻓﻲ ﻛل ﺻورة وﯾﺻﺑﺢ اﻟﺣب اﻟﻣﺟرد ﻟﯾس ﻧﻔﯾًﺎ ﻟﻠﻛراھﯾﺔ وإﻧﻣﺎ ھو ﻣﺎ ﯾﺟﻣﻊ ﻛل ﺿﻌﻔﺎء اﻟﻌﺎﻟم؛ ﻓﺑﻣﻌﻧﻰ ﻣﺎ، ﻛﻠﻧﺎ ﺿﻌﻔﺎء ﻓﻘراء إﻟﻰ ﻋطف ﻣوﻻﻧﺎ اﻟﻛرﯾم. ﯾﻌود ﺧﺎﻟد إﻟﻰ ﺳﻣﺎﻋﺎت أذﻧﮫ واﻟﺗﻲ ﻻ ﯾﻛﻔﻲ ﻣﺎ ﯾﺗﺳّرب ﻣﻧﮭﺎ ﻟﺗﺑﯾﺎن اﻟﻠﺣن ﺑوﺿوح ﻏﯾر أن اﻟظن ﯾﻐﻠﺑﻧﻲ أن ﺗﻠك اﻟﺷظﯾﺎت اﻟﻣﺗطﺎﯾرة ھﻲ ﻟﻠﺣن ﯾﻧﺗﻣﻲ ﻟﺗراﻧﯾم اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ اﻟﻘﺑطﯾﺔ، واﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت -إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أﻧﺎﺷﯾد اﻟﻣدّاﺣﯾن اﻟﺻوﻓﯾﺔ- ﻣن ﺑواﻗﻲ اﻟﻣﺣّﺑﺔ اﻟﺗﻲ أﺻر ﺧﺎﻟد ﻋﻠﻰ ﺣﻣﻠﮭﺎ ﻣﻌﮫ ﻓﻲ رﺣﻠﺔ اﻟﮭروب ﻣن اﻟﻛراھﯾﺔ.
أﻓﺗﻘد ﺳﺎرة، واﻟﺗﻲ ﻋﺎدة ﻣﺎ ﺗﺣﺿر ﻗﺑﻠﻲ. وﺑﯾﻧﻣﺎ أرﺗب أﻏراﺿﻲ ﯾﻧدﻓﻊ اﻟﺑﺎب ﺑﻐﺗﺔ ﻟﺗظﮭر ﺳﺎرة ﻣن وراﺋﮫ. أﻏراﻧﺎ دﺧول ﺳﺎرة اﻟﻣﻔﺎﺟﺊ ﻟﺑﺎب اﻟﻐرﻓﺔ أن ﻧﻠﺗﻔت ﺻوﺑﮭﺎ ﻋﻠّﻧﺎ ﻧﺟد اﻧﻘﺑﺎﺿًﺎ ﻓﻲ ﻣﻼﻣﺣﮭﺎ، ﻏﯾر أﻧﮭﺎ ﻛﻣﺎ ﻟو ﻛﺎﻧت ﺗﻘرأ أﻓﻛﺎرﻧﺎ ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﻣﺳﺎﻓﺔ ﺑﯾن ﻓﺗﺢ اﻟﺑﺎب وظﮭورھﺎ ﻣن وراﺋﮫ؛ ﻓﻣﺎ ظﻧﻧت أﻧﮭﺎ ﻓﻘدﺗﮫ ﻣن رﺑﺎطﺔ ﺟﺄش وھﻲ ﺗﻔﺗﺢ اﻟﺑﺎب اﺳﺗﻌﺎدت اﻹﻣﺳﺎك ﺑﮫ ﻓور أن اﻧﻔﺗﺢ اﻟﺑﺎب، ﻟﺗﺣﯾﯾﻧﺎ ﺗﺣﯾﺔ اﻟﺻﺑﺎح اﻟﻣﻌﺗﺎدة ﺑﺎﺑﺗﺳﺎﻣﺔ ﻣُدّرﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﺷراق. ﻟم أﻓﻠﺢ أﺑدًا ﻓﻲ أن أﻗﺑض ﻋﻠﻰ ﻟﺣظﺔ ﻣرﺗﺑﻛﺔ ﻟﺳﺎرة رﻏم ﻣﺎ ﺗﺗﺣﻣل ﻣن ﺑﺄس اﻟﺣﯾﺎة، ﻛﺄم ﻋزﺑﺎء ﻟطﻔل ﻣﺷﺎﻛس ھرﺑت ﺑﮫ إﻟﻰ ھﻧﺎ ﻣن زوج اﻋﺗﺎد اﻻﻋﺗداء، وأھل أﻋﺎﻧوه ﻋﻠﯾﮭﺎ، ﺑﺗﻠﻘﯾﻧﮭم إﯾﺎھﺎ أﻧﺎﺷﯾد اﻟﺻﺑر وﺣﺳن اﻟﻣﻌﺎﺷرة. ﺗﻘﺎرﺑت وﺳﺎرة أﺣﯾﺎﻧًﺎ وﺗﺑﺎﻋدﻧﺎ ﻏﺎﻟﺑًﺎ، ﻏﯾر أﻧﮫ، ﺣﺗﻰ ﻓﻲ أﺷد اﻷوﻗﺎت اﻟﺗﻲ اﻗﺗرﺑﻧﺎ ﻓﯾﮭﺎ، ورﻏم ﺧﺑرة ﺑﺎﻟﻧﺎس ﺻﻘﻠﺗﮭﺎ اﻟﺳﻧﯾن، ﻛﺎﻧت ﻛل ﻣﺣﺎوﻻﺗﻲ ﻹﯾﺟﺎد ﺛﻐرة أﻣد ﻣﻧﮭﺎ ﯾد اﻟﻌون تُقتل ﻓﻲ ﻣﮭدھﺎ. ﻣﺎ إن ﺟﻠﺳت ﺳﺎرة ﻋﻠﻰ اﻟﻛرﺳﻲ ﺣﺗﻰ ﺑدأت ﻓﻲ اﻟﺗﺣدث ﻣﻊ “ﺧﺎﻟد” ﺑﻠﻐﺔ ﻻ أﻓﮭﻣﮭﺎ ﻋن أﻣور ﻻ ﺗﺑدو أﻧﮭﺎ ﻣﮭﻣﺔ. ﺗﺻر ﻋﻠﻰ اﻟﺣرﻛﺔ أﺛﻧﺎء اﻟﺣدﯾث وأﺗﺎﺑﻌﮭﺎ ﺑﺑﺻري ﻣﻌﺟﺑًﺎ ﺑﻘوام ظل ﻣﻣﺷوق وﻓﺗﻧﺔ ﺑدا ﻟﻲ أن ﺗﻔﻠّﺗﮭﺎ اﻟﻣﺗﺄﺧر ﻣن اﻹﯾذاء ﻓﺟّرھﺎ ذاﻛرة ﻓﺗﺎة ﻓﻲ ﺟﺳد اﻣرأة. ﺑدا ذﻟك ﻓﻲ اﺧﺗﯾﺎرھﺎ ﻟﻣﻼﺑﺳﮭﺎ، اﻟﺗﻲ ﯾﺗﻧﺎزﻋﮭﺎ رﻏﺑﺔ اﻟﻔﺗﺎة ﻓﻲ اﺳﺗﻛﺷﺎف ﺟﺳد داراه اﻹﯾذاء قبلًا، وﺣرص اﻟﺳﯾدة أﻻ ﺗﺑوح ﺑﺄﻛﺛر ﻣﻣﺎ ﯾﻧﺑﻐﻲ. ﯾﺧﻠف ذﻟك اﻟﺗﻧﺎزع ﻓﺗﻧﺔ ﺗﻧﺳﻛب ﻓﻲ اﻟﺧﯾﺎل ﺑﻘدر ﻣﺎ ﺗﻣﺗﻧﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﻧظر. ﯾزﻋﺟﻧﻲ ﺣدﯾث ﺳﺎرة وﺧﺎﻟد -أو ﺑﺎﻷﺣرى ﺣدﯾث ﺳﺎرة ﻟﺧﺎﻟد ﺣﯾث إن ﺣظ اﻷﺧﯾر ﻣن اﻟﻛﻼم ﻟم ﯾﻛن ﺳوى إﯾﻣﺎءات ﻣواﻓﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﻼﻣﮭﺎ- ﺑﻠﻐﺔ ﻻ أﻓﮭﻣﮭﺎ ﻋن ﻣواﺿﯾﻊ ﻻ أﻛﺎد أﻟم ﺑﺄطراﻓﮭﺎ. أﺗﻌﺟب ﻣن اﺳﺗطﺎﻋﺔ ﺳﺎرة اﻻﻧﻐﻣﺎس ﻓﻲ ﺣدﯾث ﺗﻛون ﻓﯾﮫ ھﻲ اﻟطرف اﻟﻣﺗﻛﻠم، ﻓﻘد اﻗﺗﺻرت إﺳﮭﺎﻣﺎﺗﮭﺎ ﻓﻲ ﺣواراﺗﻧﺎ -ﻗﺑل أن ﯾﻧﺿم إﻟﯾﻧﺎ ﺧﺎﻟد- ﻋﻠﻰ إﯾﻣﺎءات، أو إﺷﺎرات ﺗﺣﻣﻠﮭﺎ أﻧﺻﺎف ﺟﻣل. أﻛﺎد أﺟزم أﻧﻧﻲ ﻟم أﺳﻣﻊ ﺻوت ﺳﺎرة ﺑدﻗﺔ ﻣن ﻗﺑل، وإﻻ ﻛﯾف ﻟم أﻧﺗﺑﮫ ﻟﻧﺑراﺗﮭﺎ اﻟﺣﺎدة ﺗﻠك وﻛﺄن اﻟﻛﻠﻣﺎت ﺣﯾن ﺗﺧرج ﻣﻧﮭﺎ ﺗﺟﺗرح ﻟﻧﻔﺳﮭﺎ طرﯾﻘًﺎ ﻓﻲ ﺣﻠق أﺻﺎﺑﮫ طول اﻟﺻﻣت ﺑﺎﻟﯾﺑوس، ﻓﺗﺧرج ﻣﻧﮫ ﻣﺟروﺣﺔ ﻣﺧﺗﻧﻘﺔ، ﺗﻌﻠن ﻋن ﻧﻔﺳﮭﺎ ﺑﺻﺧب وﻛﺄﻧﮭﺎ ﺣﯾواﻧﺎت ﻣﻔﺗرﺳﺔ اﻧﻔﻛّت ﻟﻠﺗوّ ﻣن ﻋﻘﺎل. ﺗﺗﺣرك ﺳﺎرة ﻓﻲ اﻟﻐرﻓﺔ ﻣوزّﻋﺔ ﻧﺑرات ﺻوﺗﮭﺎ اﻟﻣدﺑﺑﺔ ﻓﻲ اﻷﻧﺣﺎء ﺣﺗﻰ ﺗﺣﺎﺻرﻧﻲ ﺗﻠك اﻟﻧﺑرات اﻟﻣدﺑﺑﺔ ﻣن ﻛل اﺗﺟﺎه، ﻓﺄﺗوﺟﮫ إﻟﻰ اﻟﻣﺑوﻟﺔ ﻛﻲ “أﻓك ﺣﺻرة”.
-٢-
ﻛم أﻓﺿّل اﻟﻣﺑوﻟﺔ ھﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﺑﻧﻰ ﻋﻠﻰ ﻏﯾرھﺎ ﻣن اﻟﻣﺑﺎول ﺧﺎرﺟﮫ، واﻟﺗﻲ ﻋﺎدة ﻣﺎ ﺗﺟﺎور ﻣﺑﺎول أﺧرى ﻛﺎﻟﺣﻣﺎﻣﺎت اﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ. أﻣﺎ ھﻧﺎ ﻓﺎﻟﻣﺑوﻟﺔ، ﻣﺛﻠﮭﺎ ﻣﺛل ﻣﻘﻌد اﻟﺗواﻟﯾت، ﯾﻧﻐﻠق ﻋﻠﯾﮭﺎ ﺑﺎب ﻓﺗﻣﻛﻧﻧﻲ ﻛرﺟل ﻣن اﻟﺗﺑول واﻗﻔًﺎ دون اﻟﻘﻠق ﻣن أن اﻻﺳﺗﻔﺎدة ﻣن ﺗﻠك اﻟﻣﯾزة اﻟﺑﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻗد ﺗﻠوّث ﻗﺎﻋدة اﻟﺗواﻟﯾت، ﻛﻣﺎ ﺗﺟﻧﺑﻧﻲ اﻟﺗوﺗر اﻟذي ﯾﻠزم ﻟﻠﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﺑﻧطﻠون ﻓﻲ ﻣﺳﺗوى ﻣﻌﯾن لا يجوز أن ﯾﻧزل ﻋﻧﮫ. اﻵن أﻏﻠق اﻟﺑﺎب وأﺑول واﻗﻔًﺎ ﻣﺳﺗرﺧﯾًﺎ ﻛﺎﺷﻔًﺎ ﻋن ﻣؤﺧرﺗﻲ ﻋﻣدًا، ﻓﻼ ﻣﺎرة ﺧﻠﻔﻲ أﻗﻠق ﻣن ﺗﻠﺻﺻﮭم ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗد ﯾﺗﻛﺷّف ﻣﻧﻲ اﻵن. أﻧﺗﮭﻲ ﻣن اﻻﺣﺗﻔﺎل ﺑﺎﺧﺗراع اﻟﻣﺑوﻟﺔ اﻟﻣﻧﻔﺻﻠﺔ وأﻋﯾد ﺗﻌدﯾل ھﻧداﻣﻲ. أﻧظر إﻟﻰ ﻧﻔﺳﻲ ﻓﻲ اﻟﻣرآة وأﻧﺎ أﻏﺳل ﯾدي وأﻧﺛر ﻗطرات اﻟﻣﯾﺎه اﻟطﺎھر ﻋﻠﻰ ﺑﻧطﺎﻟﻲ، ﻓﺈن ﻟم أﻓﻌل ﯾﻘدح رذاذ اﻟﺑول اﻟﻣﺗطﺎﯾر ﻓﻲ طﮭﺎرﺗﻲ وﻣن ﺛَم ﻓﻲ ﻗﺑول ﺻﻼﺗﻲ. أﻟﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺳﻲ ﻧظرة أﺧﯾرة ﻓﻲ اﻟﻣرآة، أﺗﺄﻛد ﻣن ﺗﻣﺎم اﻧﺗﺻﺎب ظﮭري، ﺛم أدور ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺑﻲّ ﻋﺎﺋدًا إﻟﻰ اﻟﻐرﻓﺔ.
بينما أﻗﺗرب ﻣن اﻟﻐرﻓﺔ أﺳﻣﻊ ﺻوت ﺳﺎرة وﺧﺎﻟد ﯾﺗﺣدﺛﺎن، وﺳﺎرة ﺗﺿﺣك ﺿﺣﻛﺔ راﺋﻘﺔ ﺗﺟﻌﻠﻧﻲ أﺣث اﻟﺧطﻰ ﻛﻲ أﻟﺣق ﺑطرف ﻣﻧﮭﺎ، ﻓرﺑﻣﺎ ﺗﻛون ﺗﻠك اﻟﺿﺣﻛﺔ ھﻲ اﻟﺛﻐرة اﻟﺗﻲ أﻧﻔذ ﻣﻧﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﺣدﯾث اﻟداﺋر ﺑﯾن اﻻﺛﻧﯾن. ﻣﺎ إن ﻓﺗﺣت اﻟﺑﺎب ﺣﺗﻰ ﯾﻧﻘطﻊ اﻟﻛﻼم وﺗﺗوﻗف اﻟﺿﺣﻛﺎت، وﯾﺗظﺎھر اﻻﺛﻧﺎن ﺑﺎﻟﺗﻠﻘﺎﺋﯾﺔ، ﺑﯾﻧﻣﺎ ﯾﻌود ﻛل ﻣﻧﮭﻣﺎ إﻟﻰ رﻛﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﻐرﻓﺔ. أﺗﺟﺎھل ھواﺟﺳﻲ اﻷﻛﯾدة أﻧﮭﻣﺎ ﻛﺎﻧﺎ ﯾﺗﺣدﺛﺎن ﻋﻧﻲ وأذھب ﻟرﻛﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻐرﻓﺔ. ﺑﯾﻧﻣﺎ ﻧﻧﮭﻲ ﺟﻣﯾﻌًﺎ اﺳﺗﻌداداﺗﻧﺎ ﻟﻛﻲ ﻧﺑدأ، ﯾﻌطس ﺧﺎﻟد ﻋطﺳﺔ ﻗوﯾﺔ ﯾرﺗﺞ ﻟﮭﺎ ﺟﺳده اﻟﻣﻣﺗﻠﺊ، وﺗﻘﻔز ﻧظﺎرﺗﮫ اﻟطﺑﯾﺔ ﻣن ﻋﻠﻰ وﺟﮭﮫ، وﯾﺳﯾل ﺧط ظﺎھر ﻣن اﻟﻣﺧﺎط ﻣن أﻧﻔﮫ. ﯾﻠﻣﻠم ﺧﺎﻟد ﻧﻔﺳﮫ طﺎﻟﺑًﺎ ﻣﻧﺎ اﻟﻣﻌذرة، ﺛم ﯾﻧدﻓﻊ ﺧﺎرﺟًﺎ ﻣﻐطﯾًﺎ ﻓﻣﮫ وأﻧﻔﮫ ﺑﯾده. ﻻ ﯾﻛﺎد ﯾﺻل إﻟﻰ اﻟﺑﺎب ﺣﺗﻰ ﯾﻔﺗﻘد ﻧظﺎرﺗﮫ ﻓﯾﻌود ﻟﯾﻠﺗﻘطﮭﺎ ﺑﯾﺳراه دون أن ﯾﻧزع ﯾﻣﻧﺎه ﻋن ﻓﻣﮫ وأﻧﻔﮫ.
ما إن ﯾﻐﻠق ﺧﺎﻟد اﻟﺑﺎب، وﯾﺑﺗﻌد ﺻوت اﺣﺗﻛﺎك ﻓﺧذﯾﮫ ﺑﺑﻧطﺎﻟﮫ، اﻟﻣﻣﯾز ﻟﺧطوﺗﮫ اﻟﺳرﯾﻌﺔ، ﺣﺗﻰ أﻓﺗّش ﻓﻲ ذاﻛرة اﻟﺻﻣت ﺑﯾﻧﻲ وﺑﯾن ﺳﺎرة ﻋن ﻣوطئ ﻗدﻣﻲ اﻟﻘدﯾم. أﺳﺄﻟﮭﺎ -وأﻧﺎ ﻣﺎ زﻟت أﻓﻛر في اﻟﻣﺑوﻟﺔ- “ھل ﻓﻛرتِ أﺑدًا ﻓﻲ ﻛﺎﻣﯾرات اﻟﻣراﻗﺑﺔ اﻟﻣﺣﯾطﺔ ﺑﻧﺎ دوﻣًﺎ ھﻧﺎ ﻓﻲ ھذه اﻟﺑﻼد، ظﺎھرة ﻓﻲ اﻟﺷوارع ﻋﻧد اﻟﺗﻘﺎطﻌﺎت، وﻣﺳﺗﺗرة ﻓﻲ اﻟﻣﺑﻧﻰ ھﻧﺎ ﺑﯾن ﺛﻧﺎﯾﺎ اﻟﺳﻘف واﻷرﻛﺎن؟”. ﺗﺟﯾﺑﻧﻲ ﺳﺎرة أﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﻧﺷﻐل ﻛﺛﯾرًا ﺑﻛﺎﻣﯾرات اﻟﻣراﻗﺑﺔ، ﻓﻘد ﺗرّﺑت ﻋﻠﻰ أﻧﮭﺎ دوﻣًﺎ ﻓﻲ ﺻﺣﺑﺔ ﻣراﻗﺑﯾن اﻓﺗراﺿﯾﯾن ﯾﺗﺣﯾﻧون ﻧﺳﻣﺔ ھواء ﺧﻔﯾف ﺗﻠﮭو ﺑرداء ﯾﻛﻧس اﻷرض ﻣن ورائھﺎ، ﺣﺗﻰ أن اﻟﺗﺻق طرف اﻟرداء ﺑﺳﺎﻗﯾﮭﺎ اﺳﺗﺣﻘت اﻟﻌﻘوﺑﺔ اﻟﺗﻲ ﯾراھﺎ ھؤﻻء اﻟﻣراﻗﺑون ﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻔور؛ ﺣﺗﻰ أن ﺳﺎرة ﺗﺧﺑرﻧﻲ أﻧﮭﺎ ﻗد ﺗﻌّودت أن ﺗﻔﺿّل رطوﺑﺔ اﻟﺻﯾف اﻟﺧﺎﻧﻘﺔ ﻋﻠﻰ أن ﺗﻔاﺟئھﺎ ﻧﺳﻣﺔ ﺧﻔﯾﻔﺔ ﺗﻔﺳﺢ ﻓﻲ ﺛﻘل اﻟرطوﺑﺔ ﺛواني ﻟﻠﺗﻧﻔس، ﺑﯾﻧﻣﺎ ﺗﺿﻊ ﺟﺳدھﺎ ﺗﺣت طﺎﺋﻠﺔ اﻟﻌﻘوﺑﺔ. أﺳﺗﻣﻊ ﻟﺳﺎرة ﺑﺎﻧﺗﺑﺎه ﻟم أﻋﺗده ﻣن ﻧﻔﺳﻲ ﻛﻣﺎ ﻟم أﻋﺗد ﻣﻧﮭﺎ إطﻼق اﻟﻌﻧﺎن ﻟذاﺗﮭﺎ وذاﻛرﺗﮭﺎ، ﺗﻧﺿﺢ ﺑﮭﻣﺎ اﻟﻛﻠﻣﺎت ﻣﺛﻠﻣﺎ ﺗﻔﻌل اﻵن. ﺗﻧﮭﻲ ﺳﺎرة ﻛﻼﻣﮭﺎ ﻓﯾﺗوﻟﻰ اﻟﺻﻣت اﻟﺗﺄﻛﯾد ﻋﻠﻰ ﻗﺳوة أن ﯾﺻﺑﺢ اﻟﺗﻧﻔس ﻓﻌﻼ ﺗﻣﺎرﺳﮫ ﺗﺣت اﻟﺗﮭدﯾد! أﻧﻔض اﻟﺻﻣت ﻋﻧﻲ وأﺳﻌﻰ ﻟﻠﺗﺳﻠل ﻣن ﺗﺣت أﻧﻘﺎض ﻗﺳوة اﻟﻣراﻗﺑﯾن اﻻﻓﺗراﺿﯾﯾن وأھز ﻛﺗﻔﻲّ ﻗﺎﺋﻼ ﺑﺳﺧرﯾﺔ: “ﻣﺎذا ﻟو ﻛﺎﻧوا ﯾزرﻋون ﻛﺎﻣﯾرات اﻟﻣراﻗﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﺣﻣﺎﻣﺎت ھﻧﺎ؟” ﺗﺟﯾب دون ﺗردد ﻣﺎزﺣﺔ، وھﻲ ﺗﻣد ﻧﮭدﯾﮭﺎ اﻟﻣﻣﺗﻠﺋﯾن إﻟﻰ اﻷﻣﺎم وﺗﺷﯾر إﻟﻰ ﺟﺳدھﺎ ﻓﻲ ﻓﺧر؛ أن ﻻ ﻣﺷﻛﻠﺔ ﻓﻠﯾس ﻟدﯾﮭﺎ ﻣﺎ ﺗﺧﺟل ﻣﻧﮫ، وﻟوﻻ ﺑرودة اﻟﺟو ﻟﻛﺎﻧت رﻗﺻت ﻓﻲ اﻟﺷوارع ﻋﺎرﯾﺔ. ظﻠت ﺻورة ﺳﺎرة ﺗرﻗص ﻋﺎرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﺎرع ﺛﺎﺑﺗﺔ أﻣﺎم ﻋﯾﻧﻲ، ﻟم تبددها طﻘوس اﻟﺿﺣﻛﺎت اﻟﻘﺻﯾرة اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺑر ﺑﻧﺎ اﻟﺑرزخ ﺑﯾن اﻟﻛﻼم واﻟﺻﻣت.
ﻟم ﺗﻛن ﺻورة ﺳﺎرة ﻋﺎرﯾﺔ ﺟدﯾدة ﻋﻠﻰ ﻣﺧﯾّﻠﺗﻲ، ﻏﯾر أﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧت داﺋﻣًﺎ ﺗﺷﯾﺢ ﻋﻧﻲ ﻗﻠﯾﻼً، وﺗﺗﺧذ زواﯾﺎ ﺑﻌﯾﻧﮭﺎ ﺣﺗﻰ ﺗداري ﻋﻧﻲ ﻧدوﺑًﺎ ﺧﻠّﻔﮭﺎ إﯾذاء زوﺟﮭﺎ اﻟﺳﺎﺑق. ﻛﺎﻧت ﺗﻠك اﻟﻧدوب ﻋﻠﻰ ظﮭرھﺎ وﻛﺗﻔﮭﺎ اﻷﯾﺳر داﺋﻣًﺎ ﺗﻔﺗﺢ ﻟﻲ ﺛﻐرات ﻓﻲ ﺟﺳد ﺳﺎرة أﻣد ﻣﻧﮭﺎ ﯾدي ﻣطﺑﺑًﺎ، وﺗﻔﺗﺢ ﻟﻲ أﯾﺿًﺎ ﺛﻐرات ﻓﻲ ذاﻛرﺗﮭﺎ أﻣد ﻓﯾﮭﺎ ﻣن ﺣﻛﻣﺗﻲ ﻣواﺳﯾًﺎ. اﻵن؛ ﺗرﻗص ﺳﺎرة ﻋﺎرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﺎرع وﻟم ﺗﺗﺣول ﺗﻠك اﻟﻧدوب إﻟﻰ ﻓراﺷﺎت، أو إﻟﻰ ﺧطوط ﻣن ﻧور، ﺑل اﺧﺗﻔت ﺗﻣﺎﻣًﺎ ﺑﻼ أﺛر. اﻧدﻣﻠت ﺑﺷرة ﺳﺎرة ﻟﺗﺻﯾر ﺳطﺣًﺎ أﻣﻠس ﻣﺗوھﺟًﺎ ﻻ ﻧﺗوء ﻓﯾﮫ، واﻧﻐﻠﻘت ﻋﻧﻲ ذاﻛرﺗﮭﺎ ﺣﯾن اﺳﺗﺣﺎﻟت ﺛﻐراﺗﮭﺎ إﻟﻰ دﻗﺎت إﯾﻘﺎع ﺗرﻗص ﻋﻠﯾﮫ ﺟﺳدًا ﻋﺎرﯾًﺎ ﯾﺗﻣﺎﯾل ﻛﺎﺷﻔًﺎ ﻋن ﻛل ﺗﺿﺎرﯾﺳﮫ ﻓﻲ اﻟﺷﺎرع، وﺣﺗﻰ ﻓﻲ ﻣﺧﯾّﻠﺗﻲ أﻧﺎ اﻵن ﻓﻘط أﺷﺎھد ﺟﺳد ﺳﺎرة اﻟﻌﺎري ﻣن ﺑﻌﯾد.
بينما أﺗﻘﮭﻘر إﻟﻰ اﻟﺻﻣت أﻣد ﯾدي ﻷﺗﺣﺳس ﻣﻛﺎن اﻟﻧدوب اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﻓﻲ ﺟﺳد ﺳﺎرة، أﻓﺗش ﺑدﻗﺔ أﻛﺛر ﻋن أﻣﺎﻛن اﻟﺛﻐرات اﻟﻘدﯾﻣﺔ، ﻓﺄﻧزﻟق ﻋﻠﻰ ﺳطﺢ ﺑﺷرة ﻧﺎﻋﻣﺔ وأﻧﺳﻛب ﺑﯾن ﺗﺿﺎرﯾس ﻓﺎﺋرة ﺗﺑﻌﺛرﻧﻲ ﺑﯾن أﻧﺣﺎﺋﮭﺎ. أﺳﺗﺟﻣﻊ ﻧﻔﺳﻲ. ﻣﺎ أﻓﻛّر ﻓﯾﮫ اﻵن إﻧﻲ أﺣﺳدھﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺂﺳﯾﮭﺎ، ﻓﺗﻠك اﻟﻣﺂﺳﻲ اﻟﺗﻲ اﺳﺗﺑدت ﺑﮭﺎ ﻣﻧذ اﻟطﻔوﻟﺔ ھﻲ ﻣﺎ ﻗطﻌت اﻟﺳﺑل ﺑﯾﻧﮭﺎ وﺑﯾن اﻹﻟﮭﺎءات. وﻟم ﯾﻌد ﺑﯾﻧﮭﺎ وﺑﯾن اﻟوﻗوع ﻓﻲ ھوة ﺳﺣﯾﻘﺔ ﺳوى أن ﺗﺳﻌﻰ ﻓﻘط ﻟﻸﻣﺎم، ﺗراﻛم ﻧﺟﺎح ﻓوق اﻵﺧر، ﻓﻛل ﺗﻠك اﻟﻌﯾون اﻟﺗﻲ ﺗﻼﺣﻘﮭﺎ ﻣﻧﺗظرة ﺳﻘوطﮭﺎ وﻛل ﺗﻠك اﻷﯾﺎدي اﻟﺗﻲ ﺗﻔﺗش ﻋن ﺛﻐرة ﻟﺗﻣد ﻟﮭﺎ ﯾد اﻟﻌون -اﻟﺻﺎدﻗﺔ أﺣﯾﺎﻧًﺎ واﻟﻛﺎذﺑﺔ ﻏﺎﻟﺑًﺎ- ﻟم ﺗﺳﻣﺢ ﻟﺳﺎرة ﺑﻠﺣظﺔ رﻛون ﻟﻠدﻋﺔ. ﺣﺗﻰ إن ﻛﻔرت بالله، ﻓﻠرﺑﻣﺎ أراد ﷲ أن ﯾﺧﻠﺻﮭﺎ ﻣن اﻹﯾﻣﺎن ﺑﺎﻟﻐﯾب ﺣﺗﻰ ﺗﺧﻠص ﻓﻲ إﻧﺟﺎز اﻟﻧﺟﺎح اﻟﻣﺎدي ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة، ﻓﻠرﺑﻣﺎ ﻛﺎن ذﻟك ھو ﻣراد ﷲ ﻣﻧﮭﺎ. ﻛم أﻧتِ ﻣﺣظوظﺔ ﺑﺑؤﺳك ﯾﺎ ﺳﺎرة!
يقترب ﺧﺎﻟد ﻣن اﻟﻐرﻓﺔ. أﺳﻣﻊ ﺻوﺗﮫ ﻓﻲ اﻟﻣﻣر ﻣﺎزﺣًﺎ ﻣﻊ ﺟﯾراﻧﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﻐرف اﻟﻣﺟﺎورة، ﻓﻘد اﺳﺗطﺎع ﺧﺎﻟد أن ﯾﻛوّن ﺻداﻗﺎت ﺳرﯾﻌﺔ ﻣﻊ ﺟﯾراﻧﻧﺎ. ﯾﻠزﻣﮫ ﺑﻌض اﻟوﻗت ﻟﯾﻌرف ھؤﻻء اﻟﺟﯾران ﻋﻠﻰ ﺣﻘﯾﻘﺗﮭم وﯾﻛف ﻋن اﻟﻛﻼم ﻣﻌﮭم، وﻟﯾس اﻟﻣزاح ﻓﻘط. ﯾدق ﺧﺎﻟد اﻟﺑﺎب ﺛم ﯾدﺧل ﻣﺗﺣرّﺟﺎ ﻛﻌﺎدﺗﮫ، ﻓﻠم أره ﯾدﺧل اﻟﻐرﻓﺔ أﺑدًا إﻻ ﻣﺗﺣرّﺟﺎ. ﺗﻠﻘﻲ ﺳﺎرة ﻣزﺣﺔ ردﯾﺋﺔ ﻋﻠﻰ إﺻرار ﺧﺎﻟد ﻋﻠﻰ اﻟدق ﻋﻠﻰ اﻟﺑﺎب ﻗﺑل اﻟدﺧول، ﺛم ﺗدﻋوه ﻟﻣﺷﺎرﻛﺗﻧﺎ ﺣدﯾث اﻟﻛﺎﻣﯾرات، ﻓﺗﻘول ﻟﮫ ﻣﺎزﺣﺔ إﻧﻲ أﺧﺷﻰ إن ﻛﺎﻧوا ﯾﺛﺑﺗون ﻛﺎﻣﯾرات ﻟﻠﻣراﻗﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﺣﻣﺎﻣﺎت، وﺗﺳﺄﻟﮫ إن ﻛﺎن ھو ﯾﺧﺷﻰ ذﻟك. ﯾﺟﯾﺑﻧﺎ أﻧﮫ ﻟم ﯾﻔﻛر ﻓﻲ اﻷﻣر، وﻟم ﯾﮭﺗم ﺑﮫ، غير أﻧﮫ اﻵن – وھو ﯾﻔﻛر ﻓﻲ اﻷﻣر- ﻻ ﯾﺧﺷﻰ ﺳوى ﻋﻠﻰ ذﻟك اﻟﻣﺳﻛﯾن اﻟذي ﻗﺎده ﺣظﮫ اﻟﺗﻌس أن ﺗﻛون وظﯾﻔﺗﮫ ھﻲ ﻣراﻗﺑﺔ ھذا، ورﺑت ﻋﻠﻰ ﻛرﺷﮫ اﻟﻣﺗﮭدل ﺿﺎﺣﻛًﺎ. ﻗطﻊ ﺧﺎﻟد اﻟﺿﺣك وﺗوﺟّﮫ إﻟﻲّ ﺑﺎﻟﺳؤال ﻣﺳﺗﻔﮭﻣًﺎ ﻋن ﻟﻣﺎذا ﻗد أﺧﺷﻰ ﻣن أن ﺗُﺛﺑّت ﻛﺎﻣﯾرات اﻟﻣراﻗﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﺣﻣﺎم.
-٣-
ﻟم أﻋﺗد أن أﻓﺻﺢ ﻋن ﻣﺧﺎوﻓﻲ ﻣﻧذ ﻓﺗرة ﻟﯾﺳت ﺑﺎﻟﻘﺻﯾرة، وﻟم أﻋﺗد أن ﯾطﻠب ﻣﻧﻲ أﺣدھم اﻟﺣدﯾث ﻋن ﻧﻔﺳﻲ، ﺑل ﻛﺎن داﺋﻣًﺎ ﻣﺎ ﯾﺗوﺟﮫ ﺣدﯾﺛﻲ ﻟﻶﺧرﯾن ﻋﻧﮭم. وﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﻣرات اﻟﻘﻠﯾﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺣدﺛت ﻟﻠﻧﺎس ﻋﻧﻲ ﻛﻧت ﻓﻘط أﺷﺎرﻛﮭم ﻣن ﺗﺟﺎرب ﺣﯾﺎﺗﻲ ﻣﺎ ﻗد ﯾﺳﺗﻌﯾﻧون ﺑﮫ ﻣن ﺧﺑرات ودروس ﻓﻲ ﺣﯾواﺗﮭم. ﻟﯾس ﺑﻲ رھﺑﺔ ﻣن ﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻣﺎ أﺧﺷﺎه ﻣﻊ اﻟﻧﺎس، ﺑل ﻛل ﻣﺎ ﻓﻲ اﻷﻣر أن اﻟﺣﯾﺎة أﻓﺻﺣت ﻋن ﻣﻛﻧوﻧﮭﺎ، ﻓﺗﺑدّت ﻟﻲ أﻗرب ﻟﻠﺑداھﺔ اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﻣﻣﺎ ﯾﺗﺻّور ﻣﻌظم اﻟﻧﺎس اﻟذﯾن ﯾﺳﻠّﻣون أﻧﻔﺳﮭم ﻟﺗﻼطم اﻟﻣﺷﺎﻋر اﻟﺗﻲ ﻻ ﻣﺑرر ﻋﻘﻠﻲ ﻟﮭﺎ. ھﻛذا ﺻرت أﺷﻌر ﺑم أﻓﻛر ﻓﯾﮫ ﻓﻘط، أﺣب ﻣﺎ ﯾرﺗﺎح ﻟﮫ ﻋﻘﻠﻲ وأﻛره وﺟود ﻣﺎ ﻻ ﻣﻧطق ﻟوﺟوده. ﻛذﻟك ﺻﺎرت ﻣﺧﺎوﻓﻲ ﻣن اﻟﺑداھﺔ ﺑﻣﻛﺎن ﺣﯾث ﻟم ﺗﻌد ﻣوﺿوﻋًﺎ ﻟﻠﺣدﯾث اﻟﺷﯾق؛ ﻓﺄﻧﺎ ﻣﺛﻼ أﺧﺷﻰ اﻟﻧﺎر ﻷﻧﮭﺎ ﺗﺳﺑب اﻷﻟم، وأﺧﺷﻰ أن ﯾﻛون ھﻧﺎك ﻣن ﯾﺗﻠﺻص ﻋﻠﻲّ ﺧﻠﺳﺔ وأﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺣﻣّﺎم ﻷﻧﮫ أﻣر ﻻ ﯾﺻﺢ. ﺣﺎوﻟت اﻟﺗﮭرّب ﻣن ﺳؤال ﺧﺎﻟد غير أﻧﻲ ﻟم أرد أن أﺣﺑط ﻧظرات ﺳﺎرة، اﻟﺗﻲ ﺑدت ﻟﻲ ﻣﻧﺗظرة ﺟواﺑﻲ. رﺗﺑت ﺣﺟﺟﻲ اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﻓﻲ ﻣراﻓﻌﺔ ﺑﻠﯾﻐﺔ ﻋن ﻓﺿل اﻻﻋﺗﻧﺎء ﺑﺎﻟﺣﺷﻣﺔ، وﻣﺎ إن ھﻣﻣت ﺑﺎﻟﺣدﯾث ﺣﺗﻰ رنّ ھﺎﺗف ﺧﺎﻟد ﻣﺻدرًا اﻟﺻوت اﻟﻣﻣﯾز ﻻﺳﺗﻼم رﺳﺎﺋل ﻋﻠﻰ ﺗطﺑﯾق اﻟواﺗﺳﺎب. ﺗﻠﻘﻰ ﺧﺎﻟد اﻟرﺳﺎﻟﺔ ﺑدھﺷﺔ ﻻﻣﺳت أطراف اﻟﮭﻠﻊ، ﺣﺗﻰ ﻗطﻌت ﺣدﯾﺛﻲ ﻗﺑل أن أﺑدأه، واﻧﺗﺑﮭتُ ﻟﺳﺎرة وﻗد ﻛﺎد اﻟﻔﺿول ﯾﻠﻘﻲ ﺑﮭﺎ ﺧﺎرج ﺣدود اﻟﻠﯾﺎﻗﺔ ﻟﺗﺳﺄل ﺧﺎﻟد ﻋن ﻓﺣوى اﻟرﺳﺎﺋل. أﻣﺳك ﺧﺎﻟد ﺑﺣدود اﻟﻠﯾﺎﻗﺔ ﺗﻠك وأزاﺣﮭﺎ ﻗﻠﯾﻼ ﺣﯾث دﻋﺎﻧﺎ ھو ﻻﺳﺗﻛﺷﺎف ﻓﺣوى اﻟرﺳﺎﺋل. ﺳﻌدت ﺑدﻋوة ﺧﺎﻟد ﺗﻠك، ﻓﻘد أﻧﻘذﺗﻧﻲ ﻟﻠﺗو ﻣن أن أرﺗﺑك أﻣﺎم ﺳﺎرة ﻣرﺗﯾن ﻓﻲ ﻧﺻف ﺳﺎﻋﺔ. ﺗﻛّوم ﺛﻼﺛﺗﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺧﺎﻟد ﻟﻧﺟد أﻧﻔﺳﻧﺎ ﻧطﺎﻟﻊ ﺻورًا ﻟﺷﺎب ﺑﯾن اﻟﺧﺎﻣﺳﺔ ﻋﺷر واﻟﻌﺷرﯾن ﻣن اﻟﻌﻣر؛ ﻣﻌﺟﺑًﺎ ﺑﺑروز ﻋﺿﻼﺗﮫ، ﻻ ﯾرﺗدي ﺳوى ﻟﺑﺎس ﺑﺣر ﻗﺻﯾر ﻛﺎﺷﻔًﺎ ﻋن ﻧﺻﻔﮫ اﻟﻌﻠوي وﻣﻌظم ﻓﺧذه. ﻧﺗﺳﺎءل ﻣﺗﺷﻛﻛﯾن ﻋن ﻣن ﯾﻛون ذﻟك اﻟﺷﺧص ﻓﻲ اﻟﺻور، ﻓﯾؤﻛد ﺧﺎﻟد إﻧﮫ ھو ﻣﻧذ ﻋﺷر ﺳﻧوات أو أﻛﺛر. ﻻ أﺳﺗطﯾﻊ اﻟﻘول ﺑﺄﻧﻧﻲ ﻛﻧت أﺗوّﻗﻊ ﻟﺧﺎﻟد ﻣﺎﺿﯾًﺎ رﯾﺎﺿﯾًﺎ، ﻏﯾر أﻧﻧﻲ ﻟم أﻧدھش، ﻓﺗﻘﻠب اﻟزﻣﺎن أﺣﺎطﻧﻲ ﺑﺄﺧدود ﻋﻣﯾق ﺗﺗﺳﺎﻗط ﻓﯾﮫ اﻷﺷﯾﺎء اﻟُﻣدھﺷﺔ ﻗﺑل أن ﺗﺻل إﻟﻲّ.
تساءلت ﺳﺎرة ﻋن ﻣﺎ ﺣدث ﺑﻧﺑرة ﻟم ﺗﺳﺗطﻊ أن ﺗﺧﻔﻲ إﺷﻔﺎﻗًﺎ ﻣﺳﺗﺗرًا، ﻓﺎﻧطﻠق ﺧﺎﻟد ﺣﺎﻛﯾًﺎ ﻋن ﻣﺎﺿﯾﮫ اﻟذي ﻗﺿﺎه ﻓﻲ اﻟﭼﯾم، ﺣﺗﻰ ﺻﺎر أﻗرب ﻣﺎ ﯾﻛون ﻟﺗﻣﺛﺎل إﻟﮫ إﻏرﯾﻘﻲ. ﺗﺗﺣﻣس ﺳﺎرة وﺗﺳﺗﻔّزه ﻟﯾﺣﻛﻲ ﻣﻐﺎﻣرات ذﻟك اﻹﻟﮫ ﻣﻊ اﻟﻣُﻌﺟﺑﺎت، ﻓﯾﺧﺑرﻧﺎ أن ﻋﻼﻗﺗﮫ ﻣﻊ اﻟﻔﺗﯾﺎت اﻧﺣﺻرت ﻓﻲ أﻧﮫ ﻟم ﯾﻛن ﺳوى ﺻدﯾق اﻟﺑطل، أو اﻟﺑطل اﻟﺻدﯾق، ﺣﯾث ﻛﺎن ﯾﺻطﺣﺑﮫ رﻓﺎﻗﮫ ﻓﻲ ﻟﻘﺎءاﺗﮭم اﻟﺗﻲ ﺟﻣﻌﺗﮭم ﺑﺎﻟﻔﺗﯾﺎت، ﻓﺎﻧﺿﻣﺎم ﺷﺎب ﭼﯾم ﻟﻠرﻓﺎق ﯾﺟذب اﻟﻔﺗﯾﺎت ﻟﻠﺷﻠﺔ ﺑﺷﻛل ﻋﺎم، ﯾﺗوزﻋون ﻋﻠﻰ أﻋﺿﺎﺋﮭﺎ ﻣن اﻟﻔﺗﯾﺎن ﻛﯾﻔﻣﺎ اﺗﻔق. ﯾﺗﺑدّى اﻹﺷﻔﺎق ﻓﻲ ﺻوت ﺳﺎرة أﻛﺛر وھﻲ ﺗدﻋوه ﺣﺎﻧﯾﺔ ﻻﺳﺗﺋﻧﺎف ﻣﺎﺿﯾﮫ اﻟرﯾﺎﺿﻲ ﻣﻌﮭﺎ، وﻣﻊ آﺧرﯾن ﻣن ﺳﻛﺎن اﻟﻣﺑﻧﻰ ﻟم ﯾﺳﺗطﯾﻌوا اﻟﺗﻧﻔس ﻓﯾﮫ ﺳوى ﻣن ﺧﻼل اﻟﯾوﺟﺎ، واﻟرﻗص، وﻣﻣﺎرﺳﺔ اﻟرﯾﺎﺿﺔ ﺑﺷﻛل ﻋﺎم. ﯾﻧزﻋﺞ ﺧﺎﻟد ﻣن إﺻرار ﺳﺎرة ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻔﻘﺔ ﺑﮫ، ﻟﯾﺧﺑرﻧﺎ أﻧﮫ ﻟم ﯾﺗوﻗف ﻋن اﻟرﯾﺎﺿﺔ ﺗﻛﺎﺳﻼ ﺑل ﺑﻘرار واعٍ. ﺗﺗﺣول ﻣﻼﻣﺢ ﺧﺎﻟد ﻟﻠﺟدﯾﺔ، وﯾﻧﻔض ﻋن ﻧﻔﺳﮫ اﻟﺗﻠﻌﺛم، وﺑﻌض اﻟﺷﺣوم اﻟزاﺋدة ﻟﯾﺷﺗﻌل ﻓﺟﺄة ﺑذﻟك اﻟوھﺞ اﻟذي اﻋﺗﺎدت “أﺛﯾﻧﺎ” أن ﺗﻠﻘﯾﮫ ﻋﻠﻰ “أودﯾﺳﯾوس” ﻓﻲ رﺣﻠﺔ ﻋودﺗﮫ إﻟﻰ “إيثاكا”، ﺛم ﯾﻧطﻠق ﻣﺣﺎﺿرًا إﯾﺎﻧﺎ ﻋن ﺗﺎرﯾﺧﮫ اﻷﺳري. ﯾﺧﺑرﻧﺎ ﻋن ﻗﺳوة واﻟدﯾﮫ ﻣﻌﮫ، واﻟﺗﻲ رﻏم ﺧﻠوّھﺎ ﻣن اﻹﯾذاء اﻟﺑدﻧﻲ، إﻻ أﻧﮭﺎ أﻧﺟزت ﻣﮭﻣﺗﮭﺎ إذ ﺣﻔرت ﻓﻲ وﻋﯾﮫ ﺧطوطًﺎ ﺣﻣراء ﻟﮭوﯾّﺔ ﻣُﺳﺑﻘﺔ ﯾﺷﻛل ﻓﻲ ﺣدودھﺎ ذاﻛرﺗﮫ؛ رﺳﻣت ﺗﻠك اﻟﺧطوط ﺣدودًا واﺿﺣﺔ ﺗﻔﺻل ﺑﯾن اﻟﻧﺟﺎح واﻟﻔﺷل، ﻛﺳطﺣﯾن أﻣﻠﺳﯾن ﻻ ﻧﺗوء ﻓﻲ أي ﻣﻧﮭﻣﺎ، ﻓﺎﻟﻧﺎﺟﺢ ﻧﺎﺟﺢ ﻓﻲ ﻛل ﺷﻲء واﻟﻔﺎﺷل ﻓﻲ ﺷﻲء ﻓﺎﺷل ﻓﻲ ﻛل ﺷﻲء؛ وﺧﺎﻟد وﻟدﻧﺎ ﻧﺎﺟﺢ ﻓﻲ ﻛل ﺷﻲء ﻗطﻌًﺎ. ھﻛذا ﺻﺎر ﺧﺎﻟد ﻣﺿرب اﻷﻣﺛﺎل ﺑﯾن ﻓﺗﯾﺎن اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﺣﺻﯾل اﻟرﯾﺎﺿﻲ واﻟدراﺳﻲ، ﻻ ﯾﻌرف ﻟﺟﺳده ﺷﮭوة وﻻ ﻟﻌﻘﻠﮫ ﻧزوة. ﺣﺗﻰ ﺣﯾﻧﻣﺎ ﺣﺎوﻟتُ اﺳﺗﻔزازه ﻟﺗذﻛر ﻟﺣظﺔ ﺗﻣرّد ﻣراھق -وﻗت اﻛﺗﺷف ﻓﯾﮫ ﺷﮭوﺗﮫ- ﺗﻣﻧّﻌت اﻟذﻛرى ﻋﻠﯾﮫ، ﯾﻘول إﻧﮫ ﯾﺗذﻛر ﺑﻌض اﻟﺗوﺗر ﺑﺷﻛل ﺿﺑﺎﺑﻲ، وﻛﺄن ذاﻛرﺗﮫ طردت ﻛل ﻟﺣظﺎت اﻟﻧزق ﻣن ﺗﺎرﯾﺧﮫ. ﻟم أﺗوﻗﻊ اﺧﺗﺑﺎر ﻗﺳوة اﻷھل ﻣن ﺧﺎﻟد، ﻏﯾر أﻧﻲ ﻻ أﺳﺗﻐرﺑﮭﺎ ﻓذﻟك اﻟﺗدﻟﯾل ﻻ ﯾُﻣﺎرس ﻣﺟﺎﻧًﺎ ﻓﻌﺎﺋﻼت اﻟﺷراﺋﺢ اﻟﻌﻠﯾﺎ ﻣن اﻟطﺑﻘﺔ اﻟﻣﺗوﺳطة ﺗﺣب أن ﺗرى أﺛر ﻣﺎ ﯾﻧﻔﻘوﻧﮫ ﻓﻲ أﺑﻧﺎﺋﮭم، وھم ﻋﻠﻰ ﻋﻛس أھﺎﻟﯾﻧﺎ اﻟﺑﺳطﺎء، ﯾﺳﺗطﯾﻌون ﺑﯾﻧﮭم وﺑﯾن أﻧﻔﺳﮭم أن ﯾﺟدوا ﻣﺑررات ﻗوﯾﺔ لادﻋﺎء ﻣﻠﻛﯾﺔ ﻋﻠﻰ ھوﯾﺎت أﺑﻧﺎﺋﮭم.
ازداد ﺗوھّﺞ ﺧﺎﻟد وھو ﯾﺣﻛﻲ ﻋن ذﻟك اﻟﯾوم اﻟذي ﻗرر ﻓﯾﮫ أن ﯾﺗوﻗف ﻋن اﻟذھﺎب إﻟﻰ اﻟﭼﯾم، ﻓﻔﻲ ﯾوم ھدﺗﮫ اﻟﺻدﻓﺔ ﻟﺗﺳﺟﯾل ﻓﯾدﯾو ﻟﺟﻠﺳﺔ ﻣدﯾﺢ ﺻوﻓﻲ. ﻟم ﯾﻧﺗﺑﮫ ﻛﺛﯾرًا ﻟﻠﻛﻼم اﻟﻣُﻐﻧّﻰ، ﻏﯾر أﻧﮫ اﻧﺟذب ﻟﻺﯾﻘﺎع وﻟﻣﻧظر ﺻﻔوف اﻟﺣﺿور وھم واﻗﻔون يتمايلون ﻋﻠﻰ اﻹﯾﻘﺎع ﻣﺳﻠّﻣﯾن أﻧﻔﺳﮭم ﻟدﻗﺎﺗﮫ. ﺗﺳرّب اﻹﯾﻘﺎع إﻟﻰ ﺟﺳد ﺧﺎﻟد، ﺣﺗﻰ إذا ھم ﺑﺎﻟﺗﻣﺎﯾل ﻣﻌﮭم أﻋﺎﻗﮫ ﺗوﺗر ﻋﺿﻼﺗﮫ واﻧﺗﺻﺎﺑﮭﺎ ﻓوق ﺑﻌض، ﻓﺎﻣﺗﻧﻊ ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺣﺎل اﻟﺗﻲ ﯾﻔﻘد ﻓﯾﮭﺎ اﻟﺷﻌور ﺑذاﺗﮫ. ﻛره ﺧﺎﻟد ﺣﯾﻧﮭﺎ ﺗﻠك اﻟﻌﺿﻼت اﻟﺗﻲ ﺗﻛﺑّل روﺣﮫ داﺧل ﺻورة ﺟﺳده، ﻓﺎﻣﺗﻧﻊ ﻋن اﻟذھﺎب إﻟﻰ اﻟﭼﯾم. ھﻧﺎ ﺗوﻗف ﺧﺎﻟد ﻋن اﻟﻛﻼم. ﻗﺑل دﻗﺎﺋق ﻛﺎن ﺧﺎﻟد “ﻏﻠﺑﺎن، ﻣﺗدﻟﻊ، ﻗﻠﯾل اﻟﺧﺑرة” أﻣﺎ اﻵن ﻓﮭو ذﻟك اﻟﻣﻔوّه طﻠﯾق اﻟﻠﺳﺎن اﻟذي ﻟو ﻟم ﯾﺗوﻗف ﻋن اﻟﻛﻼم ﻟﻛﻧﺎ ﺳﻧﺗﻣﺎﯾل ﻋﻠﻰ إﯾﻘﺎع ﻛﻠﻣﺎﺗﮫ ﻛﻣﺎ ﺗﻣﺎﯾل ھو ﻋﻠﻰ إﯾﻘﺎع اﻟﻣداح.
ران اﻟﺻﻣت ﻋﻠﯾﻧﺎ، ﺣﺗﻰ ﻗطﻌﺗﮫ ﺳﺎرة ﺑﻌد أن ﺑذﻟت ﺟﮭدًا ﻣﺿﻧﯾًﺎ ﻟﺗﻌﺎود اﻹﻣﺳﺎك ﺑﺻوﺗﮭﺎ. ﻟم ﺗﺳﺗطﻊ أن ﺗﻔﻠّت ﺧﯾط اﻟﺷﻔﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﺧﺎﻟد ﻣن ﯾدھﺎ، ﻓﺄﺧﺑرﺗﮫ أﻧﮫ إن ﻛﺎن ﻗد ﺗﺻّوف، ﻓﻼ ﻣﺎﻧﻊ ﺑﯾن ذﻟك وﺑﯾن أن ﯾﻌﺗﻧﻲ ﺑﺻﺣﺗﮫ. ﻟم ﯾﻧﺗﺑﮫ ﺧﺎﻟد، ﻓﻲ ﺗوھّﺟﮫ اﻹﻟﮭﻲ، إلى إﻧﻛﺎر أﺳﺑﺎب ﺷﻔﻘﺔ ﺳﺎرة، ﺑل أﺟﺎب ﺑﺎھﺗﻣﺎم أﻧﮫ ﻣﻧذ أن “ﺗدرْوش” وھو ﯾﺟد ﻧﻔﺳﮫ متصلًا ﺑﺎﻟﻔﻘراء واﻟﺿﻌﻔﺎء واﻟﻣﮭﻣّﺷﯾن، واﻗﻌًﺎ ﻓﻲ ﻏرام ﻛل ﻣﺎ ھو ﻏﯾر ﻣﻛﺗﻣل؛ ﯾﻔﺻﺢ ﺧﺎﻟد ﻋن ﺣﺑﮫ ﻟﻠﻐﻧﺎء اﻟﻘدﯾم ﻟﯾس ﺑﺎﻟﺿرورة ﻟﺧﺑرة ﺑﮫ، وﻟﻛن ﻟﺣﺑﮫ ﻟﺻوت اﻟﺧﺷﺧﺷﺔ. ﯾﺣب اﻟﺑﺣث ﻋن ﻓﻧﺎن ﻣﺟﮭول ھﻧﺎ، وﻓﯾﻠﺳوف ﻟم ﯾﻛﺗب ﺷﯾﺋًﺎ ﻣﺷﮭورًا ھﻧﺎك ﻟﯾﻘﯾﻧﮫ اﻟﺗﺎم أن ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑل ﻛل ﻧﺟم ﻻﻣﻊ ﻗد ﻧﺟد أﻟﻔًﺎ أﻛﺛر ﻟﻣﻌﺎﻧًﺎ ﻏﯾر أن اﻟظروف ﻟم ﺗﺳﻧﺢ ﻟﮭم ﻟﯾﺑرزوا. اﻧزاﺣت اﻟﮭﺎﻟﺔ اﻟﻣﺣﯾطﺔ ﺑﺧﺎﻟد ﺑﻐﺗﺔ وھو ﯾﺗﺣدث ﻓﻌﺎد ﻟﺗﻠﻌﺛﻣﮫ اﻷول، وﻣﻌﮫ اﺳﺗﻌﺎد اﻟﺷﺣوم اﻟﺗﻲ ﻛﺎن ﻗد ﻓﻘدھﺎ قبل ﻗﻠﯾل، ﻟﯾﻣﺳك ﺑﮭﺎ ﺳﺎﺧرًا ﻣؤدﯾًّﺎ أﻣﺎﻣﻧﺎ ﻣﺷﮭدًا ﯾﺗﺣدث ﻓﯾﮫ ﻣﻊ ﺷﺣوﻣﮫ ﻣﺗﺣﯾّرًا، ﻓﻣﺛل اﻟﻌﺿﻼت اﻟﻣﺗوّﺗرة ﻛﺑﻠﺗﮫ اﻟﺷﺣوم اﻟﻣﺗﮭدﻟﺔ ﻋن اﻟﺣرﻛﺔ. ﯾﺧﺑرﻧﺎ ﺧﺎﻟد ﺑﺎﻟﻛﺷف اﻟذي ﺗﺟﻠّﻰ ﺑﮫ ﻣؤﺧرًا وھو أن اﻟﺟﺳد ﻛﻠﮫ ﺗﻛﺑﯾل ﻟﻠروح، وﯾﻔﺻﺢ ﻋن رﻏﺑﺗﮫ ﻓﻲ اﻟﺗﺧﻠص ﯾوﻣًﺎ – ﯾودّه ﻗرﯾﺑًﺎ – ﻣن ذﻟك اﻟﺛﻘل اﻟﺟﺳدي ﻟﺗﻧﺟﻠﻲ ﻓﯾﮫ روﺣﮫ. ﯾﺑدد ﺧﺎﻟد ﺳﺣﺎﺑﺔ اﻟوﺟوم ﺳرﯾﻌًﺎ ﻓﯾﺣوّل اﻟﺣدﯾث ﻟﻧﺎ داﻋﯾًﺎ إﯾﺎﻧﺎ أن ﻧﺷﺎرﻛﮫ ﻗﺻص ﻣﺎﺿﯾﻧﺎ.
-٤-
رﻏم أن ﺧﺎﻟد ﻛﺎن ﻗد وﺟّﮫ ﻟﻲ ﺳؤاﻟﮫ اﻷﺧﯾر، إﻻ أن ﺳﺎرة ﻣزﻗت ﺧط اﻟﻧظر ﺑﯾﻧﻲ وﺑﯾﻧﮫ ﺑﻧﺑراﺗﮭﺎ اﻟﺣﺎدة، ﻓﺗدﺧّﻠت ﺑﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻗﺻﺔ إﯾذاء زوﺟﮭﺎ. ھﺎ ھﻲ ﺳﺎرة ﺗﺧﺑر ﺧﺎﻟد ﻋن ﷲ اﻟذي اﻋﺗﺎدت أن ﺗﺷﻛو إﻟﯾﮫ ﻓﻠم ﯾزدھﺎ إﻻ ﺻﺑرًا ﻋﻠﻰ اﻟﺑﻼء، دون أن ﯾرﻓﻌﮫ. ﺛم ﺗﺣﻛﻲ ﻋن اﻟﻠﯾﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﻗررت ﻓﯾﮭﺎ أﻧﮭﺎ ﺳﺗﺗوﻗف ﻋن اﻟﺻﺑر وﺳﺗرد اﻟﺿرﺑﺔ ﺿرﺑﺎت. ﻟﻣﻠﻣت ﺳﺎرة ﻣﺗﺎﻋﮭﺎ وﻣﺗﺎع اﺑﻧﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻠﯾل. ﻓﻲ اﻟﯾوم اﻟﺗﺎﻟﻲ، ﺗﻌﻣّدت أن ﺗُﻔﺳد اﻟﻣﻠﺢ ﻓﻲ وﺟﺑﺔ اﻟﻐداء، وﺑﯾﻧﻣﺎ ﯾﮭم زوﺟﮭﺎ ﺑﺿرﺑﮭﺎ ﺑﺎﻟﺣزام، ﻋﺎﺟﻠﺗﮫ ﺑﺎﻟزھرﯾﺔ ﻓﻲ رأﺳﮫ. ﻓﻘد اﻟرﺟل وﻋﯾﮫ؛ ﺗﺄﻛدت أﻧﮫ ﯾﺗﻧّﻔس، ﺛم ﺣﻣﻠت ﺳﺎرة ﻣﺗﺎﻋﮭﺎ وﻣﺗﺎع اﻟطﻔل وھرﺑت ﻋﻧد ﺻدﯾﻘﺔ ﻟﮭﺎ أﺧﻔﺗﮭﺎ ﻋن اﻟﻧﺎس ﺣﺗﻰ أﺗﻣت ﺳﺎرة ﺗﺟﮭﯾزات اﻟﺳﻔر، وﺳﺎﻓرت ﺑﺎﻟﻔﻌل ﺑﻌد ﺗﻠك اﻟواﻗﻌﺔ ﺑﺄﺳﺑوﻋﯾن. أﻋﺎدت ﺳﺎرة ﺗﻠك اﻟﻘﺻﺔ ﻣرات وﻣرات ﺧﻼل اﻟﻌﺎﻣﯾن اﻟﻔﺎﺋﺗﯾن. ﻓﻲ ﻛل ﻣرة ﻛﻧت أﺗرﻗّب أن ﺗﻐﯾّر ﺗﻔﺻﯾﻠﺔ ﻣﺎ، ﻛﺄن ﺗﺳﺗﺑدل ﺑﺎﻟﺣزام ﺧرطوﻣًﺎ أو ﺑﺎﻟزھرﯾﺔ منفضة ﺳﺟﺎﺋر. ﻏﯾر أﻧﮭﺎ اﻟﺗزﻣت اﻟرواﯾﺔ نفسها اﻟﺗﻔﺎﺻﯾل نفسها وﻛﺄﻧﮭﺎ ﺗﺳﺗذﻛرھﺎ ﻛل ﻟﯾﻠﺔ ﻗﺑل أن ﺗﻧﺎم. أﺗﻘﻧت ﺳﺎرة ﺣﻛﺎﯾﺗﮭﺎ ﺗﻣﺎﻣًﺎ ﺣﺗﻰ ﺗطﺎﺑﻘت ﻣواﺿﻊ اﻟﺳﻛﺗﺎت واﻟوﻗﻔﺎت ﻓﻲ اﻟرواﯾﺔ وﻟﯾس ﻓﻘط ﺗﻔﺎﺻﯾل ﻣﺎ ﺣدث. ﻟم ﯾﺗﺷﻛك ﺧﺎﻟد ﻓﻲ اﻟﺣﻛﺎﯾﺔ، ورﻏم ﺳﻣﺎﻋﮫ إﯾﺎھﺎ أول ﻣرة ﻟم ﯾﻘﻔز إﻟﻰ رأﺳﮫ اﻟﺳؤال اﻟذي ﻟم ﯾﻔﺎرﻗﻧﻲ، وھو ﻛﯾف ﯾﻣﻛن ﻟﺳﺎرة إﻧﺟﺎز ذﻟك اﻟﺗﺣول اﻟﺣﺎد ﺑﯾن ﯾوم وﻟﯾﻠﺔ؟ ﻣﺎ إن اﻧﺗﮭت ﺳﺎرة ﻣن ﺣﻛﺎﯾﺗﮭﺎ ﺣﺗﻰ وﻗف ﺧﺎﻟد ﻣﺻﻔﻘًﺎ ﻣﺣﯾﯾًﺎ إياها ﻋﻠﻰ ﺷﺟﺎﻋﺗﮭﺎ، ﺑﻣﺎ ﺑدا ﻟﻲ أن ﺧﺎﻟد أراد أن ﯾﺳﻛت ﺳﺎرة، ﻓﺄﻋطﺎھﺎ ذروة اﻟﺗﻘدﯾر اﻟذي إن ﺟﺎوزﺗﮫ ﺻﺎر ﻛﻼﻣﮭﺎ إﺳراﻓًﺎ. اﻟﺗﻔت إﻟﻲّ ﺧﺎﻟد ﻣﺷﺟّﻌﺎ ﻋﻠﻰ أن أﺷﺎرﻛﮭم ﻗﺻص “ﺷﻘﺎوة” اﻟﻣﺎﺿﻲ، ﻓﻘﻠت ﻟﮭم أن ﻻ ﺷﻘﺎوة ﻟﻲ، ﻓﺄﻧﺎ اﻋﺗدت ارﺗداء اﻟﻘﻣﯾص واﻟﺑﻧطﻠون ﻣﻧذ أن ﻛﻧت طﻔﻼ، وأﻛﺎد أﺟزم أن ﻻ ﺻورة ﻟﻲ أﺑدًا ﺑﺎﻟﺷورت. وﻷدﻟل ﻋﻠﻰ ذﻟك أرﯾﺗﮭم ﺻورة ﻟﻲ وأﻧﺎ طﻔل رﺿﯾﻊ أرﺗدي ﺑدﻟﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺑرﺑطﺔ ﻋﻧق. ﺣﺗﻰ اﻟذﻗن، ﺗﻘول ﻟﻲ أﻣﻲ إﻧﻧﻲ وﻟدت بشعيرات ﺧﻔﯾﻔﺔ ﻧﺎﺑﺗﺔ ﻋﻠﻰ وﺟﮭﻲ.
أﻋﻠم ﻣﺎ ﺗﻔﻛرون ﺑﮫ، ﻓﻣﺎ اﻟذي ﻗد أھرب ﻣﻧﮫ؟ وأﻧﺎ اﻟذي اﺗّﺧذت طرﯾﻘًﺎ ﻣﺳﺗﻘﯾﻣًﺎ طوال ﺣﯾﺎﺗﻲ؟ ﻓﻲ اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ أﻧﻧﻲ أﻛﺛر اﻟﮭﺎرﺑﯾن؛ ﻓﺑﯾﻧﻣﺎ ھرب ﻛل ﻣﻧﻛم ﻣن ﺷﻲء ﺑﻌﯾﻧﮫ ھرﺑت أﻧﺎ ﻣن ﻛل اﻷﺷﯾﺎء اﻟﺗﻲ ھرﺑﺗم ﻣﻧﮭﺎ ﻣُﺟﺗﻣﻌﺔ. ﻓﻘد ﻟﻌﺑت اﻟرﯾﺎﺿﺔ ﻏﯾر أﻧﻲ ھرﺑت ﻣن اﻟﺣﺻول ﻋﻠﻰ اﻟﺟﺳد اﻟﻣﺛﺎﻟﻲ واﻟذي ﯾﺳﺗدﻋﻲ اﻟﺗزاﻣًﺎ ﺻﺎرﻣًﺎ ﻟﻠﺣﻔﺎظ ﻋﻠﯾﮫ. ﻗرأت اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ واﻷدب وﻣﺎرﺳت اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ، ﻏﯾر أﻧﻲ ھرﺑت ﻣن اﻟﺷك واﻟﺗﻣرّد اﻟذي ﻗد ﯾﺗوﻟّد ﻋﻧﮭﻣﺎ. ﻋرﻓت ﷲ ﻟﻛﻧﻲ ھرﺑت ﻣن أن أﺣﻣﻠﮫ ﺳﯾﻔًﺎ ﻋﻠﻰ رﻗﺎب اﻟﺧﻠق. أدرﻛت ﻣﺎ ﯾُﻔﺿﻲ إﻟﯾﮫ ﻛل طرﯾق ﺛم اﺧﺗرت أن أﻗف ﻓﻲ ﻣﻧﺗﺻف ﻛل اﻟطرق. ﺧطوة أﺧرى ﻓﻲ ھذا اﻻﺗﺟﺎه أو ذﻟك ﻛﺎﻧت ﺗﻌﻧﻲ ﺧَﺻﻣًﺎ ﻣن اﺳﺗﻘﻼﻟﻲ واﻧﻐﻣﺎﺳًﺎ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﺎ أﻋﻠم أﻧﮫ ﻟن ﯾﺧﻠو ﻣن اﻟﻣﻧﻐﺻّﺎت. ھرﺑت ﻣن ﺻﯾف ﺧﺎﻧق وﺷﺗﺎء ﻏﺎرق ﻓﻲ اﻟوﺣل إﻟﻰ ﻣﺑﻧﻰ زﺟﺎﺟﻲ أﺷﺎھد ﻣﻧﮫ ﺗﻘﻠﺑﺎت اﻟطﺑﯾﻌﺔ أﯾًّﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻧت؛ ﺻﺣﯾﺢ أن ﺣواﺋطﮫ اﻟزﺟﺎﺟﯾﺔ ﺗﻌﺗﺻرﻧﺎ، ﻏﯾر أﻧﻲ أﻧﺳلّ ﻣﻧﮭﺎ إﻟﻰ ﷲ ﻓﻲ ﻏرﻓﺔ اﻟﺻﻼة إن أردت. ﺻﺣﯾﺢ أن ﺗﻠك اﻟﻌﯾون اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﺗﺑﺟﺢ ﻓﻲ ﻣﻼﺣﻘﺗﻧﺎ ھﻧﺎك اﺳﺗﺑدل بها ھﻧﺎ ﻛﺎﻣﯾرات ﺗﺗﺧﻔﻰ ﻓﻲ اﻷرﻛﺎن، ﻏﯾر أﻧﻲ أﻋﻠم أن ﻻ ﻛﺎﻣﯾرات ﻓﻲ اﻟﺣﻣّﺎم، وأن اﻟﻣﺑوﻟﺔ ﻟﮭﺎ ﺑﺎب”. ﺗﻌﺎﻟت ﺿﺣﻛﺎت ﺧﺎﻟد ﻋﻧد ذﻛر اﻟﻣﺑوﻟﺔ، ﻓﺷﺎرﻛﺗﮫ اﻟﺿﺣك ﻋﺎﻟﯾًﺎ، فقفزت ﺳﺎرة ﻋﻠﻰ ﻓﺎﺻل اﻟﺿﺣك اﻟﻣﺷﺗرك ﺑﯾﻧﻲ وﺑﯾن ﺧﺎﻟد ﻟﺗﺳﺄﻟﮫ ﻋن ﺣﺿرات اﻟذﻛر، وھل أﻓﻠﺢَ ﻓﻲ إﯾﺟﺎد أيّ ﻣﻧﮭﺎ ھﻧﺎ، ﻓﺄﺟﺎب ﺧﺎﻟد إﻧﮫ ﻣﻧذ اﻧﺗﻘل ﻣﻌﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﻣﺑﻧﻰ اﻓﺗﻘد اﻟﺣﺿور ﻓﻲ ﺟﻠﺳﺎت اﻟذﻛر، ﻓﻣﻣرات اﻟﻣﺑﻧﻰ اﻟﻣﺣﺎطﺔ ﺑﺎﻟﻣﻌدن واﻟزﺟﺎج ﻣﻧﻌت روﺣﮫ ﻣن اﻟﺗﺣﻠﯾق ﻣﻊ اﻟﺣﺿرات، ﻓﺎﻟﺗﺟﺄ إﻟﻰ اﻟرﻗص واﻟذي ﻛﺎن أﺗﻘﻧﮫ ﺑﺷﻛل ھﺎوٍ ﻗﺑل أن ﯾﺄﺗﻲ إﻟﯾﻧﺎ، ﻓﺻﺎرت ﺟﻠﺳﺎت اﻟﺳﺎﻟﺳﺎ واﻟﺗﺎﻧﺟو ھﻲ اﻷوﻗﺎت اﻟﻘﻠﯾﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﺷﻌر ﻓﯾﮭﺎ ﺑﺧﻔﺔ ﺟﺳده، إذ ﯾؤدي ﺧطوات اﻟرﻗﺻﺔ ﺑﺷﻛل ﺗﻠﻘﺎﺋﻲ ﻋﻠﻰ اﻹﯾﻘﺎع. ﺗﺣدﺛت ﺳﺎرة ﻋن ﺣﺑﮭﺎ ﻟﻠرﻗص أﯾﺿًﺎ وﻣﻣﺎرﺳﺗﮭﺎ إﯾﺎه، ﺛم أوﻣﺄت ﻟﻲ وھﻲ ﺗﻘول ﻻھﯾﺔ وﻋﻠﻰ ﺷﻔﺗﯾﮭﺎ اﺑﺗﺳﺎﻣﺔ ﺳﺎﺧرة، ﻣﻠﻣّﺣﺔ إلى أﻧﻧﻲ اﻟوﺣﯾد ﻓﻲ اﻟﻐرﻓﺔ اﻟذي ﻻ ﯾﺳﺗطﯾﻊ اﻟرﻗص، ﻓﻠرﺑﻣﺎ ﻛﺎن اﻟرﻗص ﺧطوة ﻣن ﺗﻠك اﻟﺧطوات اﻟزاﺋدة اﻟﺗﻲ أﺗﮭﯾّﺑﮭﺎ. ﯾﺳﺗﻔّزﻧﻲ ﺗﺣدي ﺳﺎرة اﻟﻣﺳﺗﻣر ﻟﻲ اﻟﯾوم ﻓﺄﺟﯾب: “ﻟﯾس اﻷﻣر أﻧﻲ ﻻ أﻗدر ﻋﻠﻰ اﻟرﻗص، ﺑل أﻗدر إن أردت”، ﻗﺎطﻌﺗﻧﻲ ﺳﺎرة ﻣﺷﯾرة ﻟﺧﺎﻟد وأﺧﺑرﺗﻧﻲ أن ﻟدي اﻟﻔرﺻﺔ اﻵن ﻷﺟرب، ﻓﻠدﯾﻧﺎ ھﻧﺎ راﻗص ﻣﺎھر. اﺳﺗﺟﺑت ﻻﺳﺗﻔزاز ﺳﺎرة ﻋﻠﻰ اﻟﻔور، ﻓﺎﻟﺗﻔﺗت ھﻲ ﻟﺧﺎﻟد وأﺧﺑرﺗﮫ ﺿﺎﺣﻛﺔ أن ﯾﺑدأ ﻣﻌﻲ ﺑﺎﻟﺳﺎﻟﺳﺎ ﻛﻲ ﻻ ﺗﺗﮭﺷم ﺗﻠك اﻟﻌﺿﻼت اﻟﻣﺗﯾّﺑﺳﺔ. دﻓﻌﻧﻲ اﻟﺗﺣدي إﻟﻰ اﻟوﻗوف أﻣﺎم ﺧﺎﻟد، أﺣﺎطﻧﻲ ﺑﯾﻣﯾﻧﮫ وأﻣﺳك ﯾﻣﯾﻧﻲ ﺑﯾﺳراه، وﻛﺎﻧت ﺗﻠك أول ﻣرة ﯾﺗﻼﻣس ﻛﻔّﺎﻧﺎ. ﻟدھﺷﺗﻲ وﺟدت ﻟﮫ ﻛﻔًّﺎ ﺧﺷﻧًﺎ ﯾﻠﯾق ﺑﻣُزارع ﻻ ﺑﻔﺗﻰ ﻣدﻟل. ﺑدأت اﻟﻣوﺳﯾﻘﻰ، وﺑﯾﻧﻣﺎ ﯾﻘوم ﺧﺎﻟد ﺑﺗوﺟﯾﮫ ﺧطواﺗﻲ وﺟدﺗﮫ وﻗد اﺳﺗﻌﺎد ﻣن اﻟوھﺞ اﻟذي أﺣﺎط ﺑﮫ ﺣﯾن ﻛﺎن ﯾﺣﻛﻲ ﻋن ﻗﺳوة أﺳرﺗﮫ. ﻟم أﺳﻣﻊ اﻟﻣوﺳﯾﻘﻰ ﺟﯾدًا، وﻟم أﻧﺗﺑﮫ ﻟﺗوﺟﯾﮭﺎت ﺧﺎﻟد أﯾﺿًﺎ، وﻻ ﺿﺣﻛﺎت ﺳﺎرة اﻟﺳﺎﺧرة اﻟﺗﻲ ﻟم أﺳﻣﻌﮭﺎ ﻟﻛﻧّﻲ ﻗد اﺳﺗﻧﺗﺟﺗﮭﺎ. ﻛل ﻣﺎ ﻛﻧت أﻓﻛر ﻓﯾﮫ ﻛﺎﻧت ﺗﻠك اﻟﮭﺎﻟﺔ اﻟﻣُﺣﯾطﺔ ﺑﺧﺎﻟد وﻛﯾف ﯾﻣﻛن أن ﯾﻔﻘدھﺎ وﯾﺳﺗﻌﯾدھﺎ ﺑﺗﻠك اﻟﺳﮭوﻟﺔ. ﯾﺑدو أن وﻗﺗًﺎ ﻣرّ وﺧﺎﻟد ﯾﺣﺎول أن ﯾﻠﻔت اﻧﺗﺑﺎھﻲ ﻟﺗﻌﺛر ﺧطواﺗﻲ، وأﻧﺎ ﻻ أﺳﻣﻊ ﺷﯾﺋًﺎ. ﻟم أﻧﺗﺑﮫ إﻻ ﺣﯾﻧﻣﺎ ﺗدﺧﻠت ﺳﺎرة ﺑﺗﺻﻔﯾق ﺗﺣﯾﯾﻧﺎ ﺑﮫ، ﺛم أوﻗﻔت اﻟﻣوﺳﯾﻘﻰ وأﺧﺑرﺗﻧﺎ أﻧﮭﺎ ﻗد ﺗﻔﺎﺟﺄت ﺑﻘدرﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻠم اﻟﺧطوات ﺑﺳرﻋﺔ، ﻓﺣﺟزت ﻟﻲ وﻟﺧﺎﻟد اﻵن ﻓﻲ ﻓﺻل ﻟﺗﻌﻠﯾم رﻗص اﻟﺳﺎﻟﺳﺎ ﯾﺑدأ اﻷﺳﺑوع اﻟﻣﻘﺑل. ﺛم اﺳﺗدرﻛت -دون أن ﺗﺑذل ﻣﺟﮭودًا ﻛﺑﯾرًا ﻓﻲ إﺧﻔﺎء ﺗﺣدّﯾﮭﺎ إﯾﺎي- ﻟﺗﺧﺑرﻧﻲ أﻧﻧﻲ ﻣن اﻟﻣﻣﻛن أن أﻟﻐﻲ اﻟﺣﺟز إن أردت. اﻟﺗﻔتّ ﻟﺧﺎﻟد وﻗﻠت: “ﻻ ﻣﺎﻧﻊ ﻟدي إن ﻛﺎن ﻻ ﻣﺎﻧﻊ ﻟدى ﺧﺎﻟد”. ﻓﺄﺟﺎب ﺑﺎﻟﻣواﻓﻘﺔ.
ﺳﺄذھب إذن ﻣﻊ ﺧﺎﻟد اﻷﺳﺑوع المقبل ﻟﻧرﻗص اﻟﺳﺎﻟﺳﺎ. ﻻ ﻣﺷﻛﻠﺔ. ﻋدت إﻟﻰ رﻛﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻐرﻓﺔ، وﻛذﻟك ﺧﺎﻟد ﺑﻌد أن اﺳﺗﻌﺎد ﺗﻠﻌﺛﻣﮫ ﻋﺎد ﻟرﻛﻧﮫ ﻓﻲ اﻟﻐرﻓﺔ وھو ﯾﺗﺻﺑب ﻋرﻗًﺎ، ﻟﻧﺑدأ ﻣﻣﺎرﺳﺔ طﻘوس ﯾوﻣﻧﺎ. ﻏﯾر أﻧﻲ ﻟم أﺳﺗطﻊ أن أﻗﺎوم ﺗﻠك اﻟرﻏﺑﺔ ﻓﻲ اﺳﺗراق اﻟﻧظرات ﻟﺧﺎﻟد، ﺗﺣت ﺣراﺳﺔ ﺳﺎرة. ظﻠﻠت أﺳﺗرق ﻟﺧﺎﻟد ﻧظرات طوﯾﻠﺔ ﻣﺗﺳﺎﺋﻠﺔ ﻟم أدِر ﻋﻣﺎ ﺗﻔّﺗش، أﻋني ﻣﺎ ﯾﺳﺗﺗر ﻣن ﺧﺎﻟد ﺧﻠف ذﻟك اﻟطﻔل اﻟﻣدﻟل اﻟﻣﺗﻠﻌﺛم اﻟﺑﺎدي ﻋﻠﻰ اﻟﺳطﺢ، أم ﻛﻧت أﻓّﺗش ﻋن ﻣﺎ ﯾﺳﺗﺗر ﻣﻧﻲ ﻓﯾﮫ؟
فازت هذه القصة بالمركز الأول في مسابقة “يوماً ما” التي نظمها موقع مدى مصر بالتعاون مع المركز الثقافي الفرنسي سنة ٢٠١٩