الواقع والآلام: قصائد جديدة لمهاب نصر

Alvar Cawén, “Blind Musician”, 1922. Source: Wikipedia
“الواقع يا عزيزي”
الواقع يا عزيزي
هذا ما زرتك لأجل
وبينما كنت تواصل مناداتي من مطبخك
دسستُ عشرات الأعين
في الفُرُش وتحت المقاعد
وخلف زر الكهرباء
الذي يجعل الضوء يرتج  
مثل حقيقة فاجعة
الواقع هو ما أفكر فيه وأنا أصافحك عند الباب
كأنني سأقضي ليلتي في العراء
الواقع الذي يتنفس بصعوبة
بينما تشير بإصبعيك: اطمئنْ

الواقع يا عزيزي.. أهو مَلَكة
مثلما تطوي السحب وجهها 
في سِحنة 
أو يدِ مقبوضة على قرار؟ 
أهو بُشرَى
مثلما تتعافى الشمس
وترتدي الكلمات حذاءها الرياضي؟
أهو الحب في حلم
أم السكين التي دلت عليه؟
أم السكران تحت ماء بارد
يتحسس رأسه ويبكي؟
أيبكي الواقع ويضحك
مثلما نفعل حينما نقرأ الروايات؟
أهو ذلك الجسد الطري
تحت أقدامنا
وأنا وأنت شبحاه ولعنته؟
إلى من يعود الألم إذن؟
أي أسنان تلك التي تطحن؟
أي معركة للأنف
إذا كانت الأشياء بلا رائحة!

لأجل الفن
للفن؛
أفعلُ لأجل الفن
لأُرَى وأْسمَع
ثم أستقبل الموت وحدي
لأْغتاب
وأْجَر من أذني
وضحكتي نائمة بلا وجه
لأْبغَض وأْحَب
ككلمة تْبغَض وتْحَب
لكن من يحكها من الرأس؟
من لا يسهو
فيلفظها ويبصق؟
من يجرؤ على قتل نفسه
دون مرآة وشاهد؟
لا يْؤكَل الفن
لأنه هو الأسنان
ولا يْسكِر
بل يريق خمرا في الأرض
ويكسر الكأس على حافة الطاولة
لا حكمة فيه
فماذا تصنع الحكمة
إذا كان الملِك مسحورا
وحاشيته
ضائعة في غابة؟
أنت بيدٍ ومطرقة
تقول كل شيء
بيدٍ وفأس
تفلق الشمس
ولا أحد يقول كيف؟
بيدٍ فحسب
تحجب عينيك وتنادِي
لتْرى
تحطم المرآة
لتُسَمع
ثم تصبح عثة في الورق
وجفافا في الحلق
ثم تْنسى
كأنك أنت من نسي

 ثم جاء البشر
للجنّة سُرّة.. بدمٍ متخثر.
هبط آدم بفعل الريح
فلم يسمع الصراخ هناك
طار به الأمر الملكيّ،
وبه نطق وتكلم.
ثم جاء البشر؛
جِئنا
والصوت صار وتَداً
وحبْلا مجدولا
وسفنا تبحر في الرمال
وبحراً على الأكفّ، وفي التفاتات العيون
ثم استمع الناس إلى رجع أصواتهم في المغارات
فارتعبوا
وفي النوم
رأوا الدم
وكتبوا القصائد.
لهذا كرهت الشعر
لأنه مخيف
لا دموع له.. ولا يد ترتعش
غبار مفضض
لنجوم بعيدة
الوجوه مضاءة بالذكرى
ومقطوعة
كأقنعة المهرجان
أختبئ من الكلمة
ومن المزمار الكئيب
كرمح محارب
عبر السماء كلها 
ولم يصل
أقف خلف نافذتي
لا أريد للنهار أن يمضي
لا أريد لليل أن يحضر
دون أن أراه طالعاً
فأضيء له الدرج
مثلما تفعل القصيدة

يقرأ في كتاب ونام
ضع الأيام حيث لا يمكن ان تُرى
أخْفِها
لا تعترفْ
كل كلمة الآن منقوصة
والأقدام تركل في البطن
نَمْ
كمن يقرأ كتابا ونام
كمن سقط الكتاب من يده
فتنهد كأنه في حلم
من أحب كفّه
فليحرس بها جبهته من الضوء
منْ أحبَّ فمه
فليضع كمامة
ويتنفس زفيره،
من طال عنقه
فليعقده أنشوطةً
أو يمده أكثر
كأنما ينظر إلى بعيد.
الشارع بلا أرصفة
والشبابيك تُفتح من الخارج
كأقمصة المجانين
لا بيوت
بل أفكار 
وأعمدة وسقالات
السماء تهبط الدرج
وجناحاها الواسعان
يلطمان القلوب
وقلوبنا ما هي؟
من يعرف؟
نَمْ
ولا تكن هناك أو هنا
أطفئ الآلة
وسر.. كأنك نفثة الدخان،
الحركةُ التي لا تتحرك،
لا تحجزُ الغضب
بل تتلوى وتنبسط 
كل شيء يتلوى وينبسط
التاريخ والنسيان
واللهب الذي كان يُبقي العينين مفتوحتين
واللهب الذي كان يرفع الضحكات
واللهب الذي ما عاد لهبا
فأسميناه الشيطان
واللهب البارد للوسائد
والوداعات آخر الليل
نمْ.. كأنك نائمٌ
وما من أحد سيوقظك إلا أنت

كمن رأى وفهم
لم تكن لي أبدا بلد أو شارع أو غرفة أقول: هنا
وأسند رأسي.
أشك أن لي رأسا
أن ذراعيّ هما لشخص آخر أنقذني من الغرق
أنهما تدفئاني إذا ضممتهما لأنني أفكر .
وكانت قدمي تعرف وتصل
لكن إلى أين؟
وكانت أفكاري تحوم كذباب بأجنحة ذهبية
كأنني زهرة نبتت فجأة
ولا أصدق ذلك
وكان قلبي دائما بجوار قلوب أخرى
فلا أثق إن كنت حزينا أو فرحا
وكنت أعبدُ
ولا صلاة لي
ضائع في الجنة كجمال مهجور
وكنت أدس أنفي
وأصيخ للسر
وأعض شفتي من العار
وكنت أمرض وأعاف الطعام كقطّ
أنظر بلا هدف
كمن رأى وفهم
وكانت تمطر
فأنام وأحلم 
وأطأ حشيشا وطينا رخوا
وعيونا لا تغمض جفونها
ونهودا كأنها عاطفة تيتّمت
صابرة ومتماسكة
أذهب إلى عملي
ولا ذنب لأحد
أنظر إلى زميلي، وينظرُ،
من فوق مكتبين
أو ربوتين 
أو حافتي بنايتين شاهقتين
أو عمودي إنارة
في الحي الجديد
الليل مضاء كغرفة الجراحة،
والصباح لأي أحد يريد أن يقتُل
أو يقتَل
الصباح أيضا يمكن أن يكون صحنا
وفاكهة 
وأنا طبيعة صامتة
لي أوردة وشرايين
مثلما في كل مدينة طرق للنقل
واختناقات
وسكك حديدية
ووداع
يثقل الساقين
متى .. متى؟
سؤال كمنديل
وسؤال كدخان بارجة
وسؤال كعمود لالتقاط الصواعق
لا رأس لي
ومن يحلم
لا يذكر أنه رآني في حلم
يصافحني فقط
وأحمل يدي بعده كرسالة
من الغباء أن أقرأها

قنبلة في صحن
صوتي القبيح في أذن بلادي
صوت بلادي القبيح في أذني
صوتانا معا
صوتانا ولا أحد
عيب صنعةٍ،
خطأ في قسيمة التوريد،
سوق خلفية
للدرجة الثانية
سكاكين قصيرة حيث تنقطع الكهرباء
ويسمع السباب والتوسل
شرر متقطع
لجهاز يذيع أنباء
ثم يسكن .. كأن العالم لم يعد هناك
أنا خائف من صوتي
ومن صوت بلادي
ومن العالم بعد انطفاء الراديو
خائف من الخبر
ومن الأغنية التي تصدح
ثم كأنما
فتح باب الأستوديو 
بقدم غاضبة
أو بقنبلة في صحن

أنا خائف من روح
ليست روحي
لكنها تساوم وتكسب
تطفئ الراديو
وتصدح نيابة عن العالم كله
وضده
صوت بلادي القبيح
صوتي اليدان السوداوان
والحيلة
صوتانا معا
بَدَنان يتدحرجان في شارع منحدر
ومن وراء النوافذ يقولون: هششش
صوتي في حلم
لا صوت في الحلم
جسد يتدحرج وحده
ولا يسقط
بل يفيق
صوت بلادي القبيح يسندني
إلى الحمام فالمطبخ
صوتانا معا
لا صوت
رأسان مطأطئان
رأسان محشوران في باب
غلامان يتجاذبان حقيبة وجداها بالصدفة
وهذا مصيرهما كله
صوت قبيح
كغِلٍّ يحفن التراب ويطيره
عاصفة في الحلق
صوت يتكور مثل قبضة
ثم يخور كذبيحة
ثم يسكن
ولا خبر يذاع
هششش
أغنية تصدح
وصحن إفطار
وربك وربي
صوتان .. لا صوت
لا تقل ذلك لأحد
لا تحكه أبدا

حكاية
كان أميرا أو ملكا
أو شيئا يشبه الأمير أو الملك
أو شجرة مسخوطة
وتاجها يتلألأ
في على سطح بحيرة من الصمت
كان فأسا أو بلطة
أو شيئا يشبههما 
كلسع الهواء البارد 
أو الخوف الذي ينقلب شجاعة مسمومة
كان تاجا
ورأسه في الماء يبحث عن دليل
أو كان ساحرا خسر التحدي
كان فأسا أو بلطة من قريب
أما عل مسافة ميلين
فكان أنشودة تسيل دما
أو عصارة كالدم
ومن السماء، لو كنت من الأخيار،
كنت ستراه أيضا
حطابا عاديا
أو كاتب حسابات لدى حطاب
أنا آثم أيضا
ومطرود مثله كصيحة في غابة
كخاتم ملك يتدحرج
وأنا أحسب بالأرقام
مقاس دائرة الملك
وكم إصبعا بترت
كان ملكا أو أميرا
كصفعة لم ترد
أو كصفعة لا حاجة إلى ردها
كان مجموعة من المعادن والغازات
لا تشير إلى عناصر الوجود
أي صلبة جدا
كالضحك من بين الأسنان
كالشر 
حين تكون السماء صافية 
ويكون أحدهم قد قتل
قبل أول نداء لباعة الفجر
كان غابة في كتاب
أو كتابا فقط
والغابة في الخارج بسلاحها كله
لكنه عاجز عن إصدار أمر
كان لعبة في يد الكلمات
والكلمات لعبة بين يديه .. وهكذا مثل لعنة تتدحرج
وكنت آثما مثله وأعرف الكتابة والحرف ولا أنام
لأنني لو فعلت
ستقطع رأسي من الداخل
سأشرق مثلا
أو أحلم أنني شرقت
وستقتلني روحي لأنها تريد أن تهرب
كما تهرب الذكرى من الوجه
أو ينقذ بدن الغريق، لا الغريق نفسه
كنت أميرا وملكا
أعمل وأتزوج، أذهب إلى السوق وأشتري ثيابا للملك
وربما بلطة أو فأسا
لأن على الواحد أن يتوقع كل شيء
مادام جيشه بعيدا
ونداؤه محبوس في كتاب
وغابته تنبت في رأسه وحده
هذا من قريب 
أما لو كنت واثقا من نفسك
أي على الرؤية ولو في مرآة
فستوثق يديه 
كما كانوا يفعلون في مصح عقلي

كن رجلا”
أستمع وأشرب، وأعود بجذعي إلى الوراء.
لو أسقط!
لو أرتطم وأصرخ!
لو يجذبونني من ثيابي: كن رجلا..
وأنا لست رجلا
أنا سكران
وبعينين منومتين
أبحث عن قدمي المخدرتين
بين أقدام ليست لي
نام عدوي داخلي
فصرت أحلم يقظان
ولا أنام
نام عدوي واستيقظ،
ففاحت رائحة الخمر من فمي
سكر عدوي
فصار يراني ولا أره
صار يتكلم
وأنا أحرك شفتي
أضحوكتان في الليل
هائمان على ساق واحدة
والأخرى لا تجرؤ على الوطأ.. وتقول: حرام
قطعنا الساحل
والشارع المنعطف
والآخر المظلم ذا الشعر المستعار
وهبطنا درجا خياليا
كأنه الغبطة الكئيبة
في نهاية سهرة
ثم أوصدنا الباب وأحدنا بالخارج
أحدنا كان الباب
والآخر يقول: من؟
أحدنا يمثّل، والآخر يخبط رأسه من أجل حقيقة واحدة
نادوني، فكأنهم نادوه
ولكن عليّ أنا أن أشرح
النهار طويل حين أتكلم
النهار بلا عدو
النهار سهم على لوحة تحذير
في الطريق المغبر
في أزمنة أخرى كان يمكن للكلام أن يقتل كما يقتل الظمأ
أسكر فوق رمال
فوق ظلال مدينة مقلوبة
أضع أذني على الرمل وأستمع
سكران
وعدوي نائم يحلم

ستطفأ الأنوار حالا
اكتب كأنك محاصر، وستطفأ الأنوار حالا
كأنك تسمع طقطقة المحول الكبير
تحت سيل مفاجئ
عرقل الزحف
وجرف الليل باتجاه البيوت
والبيوت باتجاه أحلام اليقظة
للعالقين في الشرفات
والساهمين باتجاه الميازيب
في مرثية الماء
اكتب كمن يسمع صوت الارتطام
قبل الارتطام بثانية
اكتب بسرعة الطلقات البعيدة
والمرعبة
الآتية من مكان مجهول
اكتب منتفخا
كوبر القطط المذعورة
اكتب كبناية تداعى
كاصطياد قناص لرأس بريء
كان قبل دقيقة واحدة في مكانه الصحيح
والآن هو مائل
دون فكرة عما جرى له
اكتب كأنك الباقي من فصيلتك
ولا يصح أن تعود
لأنهم هناك سيعدونك خائنا
وهنا عدوا لنفسه
اكتب دون شرح
دون تبسيط
وبعمق في جميع الأحوال
بلا رغبة في اعتذار
اكتب كمن يهبط بالرسالة من السماء
كسعادة لا تستطيع النظر إلى بيتها الأول
اكتب بخوف إذن
أما الندم فقد ضاع صوته 
اكتب ليلا
وفي النهار الذي يسكن الليل
مثل حقد يتأهب
أو كغرام
اكتب كما يكتب الصديق
أي بدافع الأمل
وأنت تعرف أنه لن ينجو
اكتب
كمن يقلب الأحجار المحترقة عن عائلته
كمن يبكي في صمت
لأنه يواجه ذاته
اكتب بعيدا
كما يفعل الحب حين ينظر
وقريبا
كما هو الحب نفسه حين ينهض من الذاكرة
اكتب كأنك علقت بالشباك
وحذاؤك ثقيل
وأحذيتهم تثب خفيفة بيضاء رغم الوحل
أكتب كمن نودي 
كمن رفع اسمه على لافتة 
وهو يقول: لست أنا
كمن ينكر
وتلك طريقة في الاعتراف
اكتب كمن يدين نفسه
لينقذ آخر
وكمن يدين الآخرين جميعا
لأنه عاجز عن تحديد غاية 
تكون هي نفسها
كلمته الأخيرة

من سيجذب الخيط ويعدو
ثم ما معنى أن تولد الأضواء
ومن يعرف لأي سبب؟
اللهب الحقود
على مسافة هائلة
يمسح بيد ناعمة جدا
وجه العالم
ويظهر وجه الشمس كضحكة باردة؟
من سيجذب الخيط ويعدو،
ثم على مشط قدميه يشب
ويصيح في أبويه:
التقطه من على الحائط.
من سيضع الحقيبة جانبا
ويقول: وصلتُ
ومن سيفتح الباب؟
أنا تاجر الحقيقة الجوال
ولدي مفروشات
أزهارها تميل مع الضوء،
بهجة عالقة بهدب، 
بحار قصيرة العمر
مقطوعة الأنفاس
لا ليل لها.
أسير على قدمين
بخلاف الكلاب والأبقار والزراف والدببة وأبناء عرس
لأن اليدين مشغولتان بالمساومة: 
هكذا وهكذا
جهة حقود
وراء ظهري وظهرك
إنه الأفق البعيد جدا الذي أسميناه الحب
يغلي ويفور
وأقول لك: انظر هذه
وأنا أمسح خامة القماش
التي عليها سينام الضوء
أضحك لأنني سعيد،
أضحك لأنني مريض
أتنسم رائحة الموت
في كل شفة تعِدُ
أو كلمة تطير
كشعاع التقط من على الحائط

الألم يخدعنا
هذه الحياة التي اخترتها لنفسي هي حياة شخص آخر
هو نفسه يصعد الآن درجا
لاهثا برئتي شخص ثالث
وهكذا
الألم يخدعنا
عصبي وأناني
يمسح الطاولة بذراعه، مهشما كأس الضيف
يتلوى بضمير ماكر 
الألم يمثّل 
روح لعينة تصعد إلى تشنجات الوجه
وبنا 
يريد أن يرهب آخرين
يتألمون فعلا
وهكذا
عشت حياتي
الضغينة كانت المصباح
والمرآة
والصورة المقلوبة لما سيأتي
وكان ذلك مخيفا
فأحببت
وصعدت الدرج
مفكرا في آخر
وكان الألم عند الباب
ووراء الألم وجه
ووراء الوجه رأيت صرختي وفرحي
الموت يخدعنا
نحن صنعناه معا يا ملاكي
وكأسه أفرغناها في فمين 
الموت ليس في الهدأة المفاجئة لضحكتين
بل الضحكتان وقد تشنجتا
لا علاقة لهذا بالزمن
ولا بالدم المتصلب في عروقنا
بل بالباب الذي نسيناه مفتوحا
عشت حياتي
والآن لا اسم لها 
الموت يختار من لهم أسماء ليخيف من يقرأ
يا ملاكي نحن لا نقرأ
ويدانا مشبوكتان تبتعدان
نغمض ونتذكر
ذلك الذي لا يعرفنا ولا نعرفه
والذي يقودنا
إلى حيث يعترف الجسد بهزيمته

ليلي ينام واقفا
تنهض الحياة
على رف مكتبتي
من سماء عالية
أسحب الكتاب وأنساه في يدي
وعيناي تسألان: أين أنا؟
بيتي يبدل حوائطه
ديكور مسرحي دوار
أسمع الصراخ من بعيد
وبقع دم زائفة على منامتي
بحمالة سيف أتخصّر
وبغبار ذهبي
طُلِي الوجه 
كـأنه شمس على منامة حالم
ـ استيقظ
لكنني نسيت الكلمات
نسيت مفتاح العودة إلى ذاتي
وحينما أريد الخروج
أتذكر الكتاب
قرأت.. ودفتاه مغلقتان
قرأت كمن يتذكر
وبقوة درت مع الحائط
غاضب
في حوار مختلق
أُقتَل أو أدان،
أرسف في الحديد
الذي صنعته فكرة.. أنادي من داخلها
ـ أنا هنا.. 
وفي الخارج يقولون: لا تصدقوه.. 
تكتكة على لوح مفاتيح.
ليلي ينام واقفا كحصان أسود
لا يصهل
ليل معركة من قرن آخر
جيء به ليكون ذاته
في كتاب
ـ لا تصدقوه
ويطوون غرفتي مثل ورقة منتزعة
وبقع الدم على زنودهم
حقيقية جدا
يا لقوة التمثيل!

ماذا نصنع بالأيام
تعاهدا على ولوج الغابة
بدءا بالتغريد
تقليدا لطائر متخيل
زحفا بتقلصات على سور النافذة كيرقتين
تدربا على مضغ كلمة واحدة لساعات
على اختزان الماء
في حوصلة عجيبة نتأت من الصمت
النوم في العراء كان مستحيلا
عوضا عن هذا
انتزعا من عيونهما 
أكثر النظرات وقاحة
وقالا: ماذا نصنع بالأيام؟
دقا مسامير في السقف
الذي منه كان يهبط القمر
وتصعد الشمس
نفخا التراب في الساعات لتعمى
ناما قائمين
وناما بعين واحدة مفتوحة
وناما ناشرين رائحة بدن يتعفن
وناما كما ينام الرماد
وقالا: لماذا لا يطاردنا مخلوق؟
كيف نكون في غابة
بلا مكيدة
ولا جحر؟
فبكيا
هذا آخر ما قيل لي عنهما
“موظفان نشيطان”..
من يحمل الاسم
ومن يثني كميه على حافة المكتب
من يغني
ومن يهيم في الشوارع
كشجرة مقتلعة من الحنجرة

سأبيت في الخارج
لا في مقعد قطار
ولا على متن طائرة
ولا بسيارة أطفئت محركاتها عند الحدود
لا بريح لاهبة
ولا بسحاب يتفتت كحبات السكر في الضوء
لا صلبا ولا مرنا
دمه الذي يخرج من القلب
ويعود إليه أسود
بينما تتمدد رئتاه وترتخيان
كحمولة تنفث الغبار
عند الحدود نفسها التي تنهض دونها البوابة الكبيرة
بوابة ما بين الصحراوين
الاختبار المطلق
للداخل والخارج
وكأنهما الشخص عينه
الكاتب
الممصوص الوجه
كالنهار
الجادّ كقلم في مكانه أعوج السن
المتأمل كمروحة السقف 
التي التصقت بها الأوساخ
بطيئة ولا أزيز 
ذبابة محشورة
بسب تهديد
الصحراء في اتجاهين
وعند البوابة ملائكة
حملة بطاقات منسيون
لا يقولون: ادخل
ولا ينادون: تعال
ولا يشتكون: أنتم كثيرون جدا
لأننا كثيرون بالفعل
أنا عائد إلى البيت
بملاكين على الأقل
عبرت الحدود في شبه دائرة
ووجدته
سأبيت في سيارة بالخارج
سأنام في قطار نائم بالمخزن
البيت في القلب
بمروحة سقف بطيئة
ودم أسود

النهايات
الطيور 
التي لا يأتي ذكرها في كتاب
إلا عندما تحين النهايات
حقائق من الجص
نقشت على مداخل البنايات
ملائكة بأجنحة مثبتة
حفظت الأحجار وما وراءها
لن تطير إذن
إلا حينما يُنفخ على الأرض نفسها
حين يخرس الحاكي
ويدير المنصت أذنه
حين نشم رائحة النفتالين
في جلودنا
وكأننا خارجون من سحارة..
أجنحة من قمصان وسراويل
وأقمطة رطبة
مقاعد من قش
وخطوات كوقع الليل
على صفحة الهواء
ممطوطة ونكدة
هذا بيتي.. ولا أريده،
فكرتي
ولا تعتدل في جلستها
حتى أناولها الدواء،
حلمي
ويداه مثقلتان بالحجارة
ثم تأتي الطيور
.. لا تأتي
بل يُسمع الرفيف،
بل هزيم مكتوم
لبناية توشك أن تطير
باب ينخلع في الريح
وباب يسقط
تاركا السماء بلا لون

لا أرفع راسا
أعرف بلا روح
بلا طاقة على قول نعم ولا
مثل حجر أبيض
منطو على الشاطئ
يشطف الملحُ وجهَه
وينحسر.
صامتة قدمي.
أخرج وأدخل
لا أرفع رأسا
ولا أسند ذراعي
كعادة من يبدل ملابسه.
أنام نوما طبيعيا
كما ينام البحر
والرمل في قاعه
والغرقى الذين كُبّلوا بالكلمات
والضمائر الحديد.
أعرف
بلا عينين
ولا أذنين
وبلا رغبة في لمس
الأسطح
أو اختلاس الشمس
من الأجساد العارية.
دمي ينام معي
ولا يفور إذا جُرِحت،
بل يجلس وينظر.
دمي طلاء لدم آخر
لا لون له،
ولا عصب ينتهي إليه.
ريح تكاد تلامس الماء
وتترك صفحتها مثل جلد منكمش
رعدة من خوف غير حقيقي
أعرف 
وهذا يخيفني أكثر
من يد إلى يد 
نصف حياة في النوم
ليست نوماٌ
تحت الجفنين المغمضين
جفنان
وحدقتان
ثم سحابة هشة من الأفكار
ثم الأفكار نفسها
وهي من يد إلى يد
كما تُنقل العدوى
ثم العربة الخشبية
ذات العجلات غير المنتظمة،
الصرير،
القرقعة المكشوفة،
وأخيرا صوت ممطوط
كالنحيب..
هو نفسه
سقالة لا أكثر
فوقها تتحسس قدماي
في رحلتنا إلى النهار.
ثم النهار نفسه ما هو؟
ممنوع أن تصرح
حتى لو انتزعت جفنيك، والجفنين اللذين إلى الداخل
وكنست السحابة الهشة
وقاطعت رحلة الفكرة من يد إلى يد
وقلت : ها هو
سيكون صرير العربة أعلى
والشارع المزفّت
مثل نهار مشمس يلتصق بالنعال
نحلم حفاة
وحين نصحو
نجد أقدامنا مطمورة في الأحذية
والشمس في انتظارنا
مقسومة بين النافذة والمرآة