كمطرقة: فلاش الفخراني

Chant Avdedissian, “Cities of Egypt/Greetings from Masr”. Source: sothebys.com

العدل
من يجرؤ على اتهام فكرة نبيلة كالعدل؟
لا أحد
لذا
وبخبث تام
نتهم الرومانتيكا
فالعدل في جوهره قضية رومانتيكية.
لم يولد قَط
بالنظرة الخالية من الغرض، بالعين التي رأت كل شىء، ببخار الشهوة البارد، حدق العجائز في المستقبل. مطمئنين جدا أن تلك الحماقة لن تخدعهم مرتين.
لم تبهرهم رقصته المختالة كشبح أعمى، ولا براءة اليقين في خطوته.
هدد رؤوسهم بمنجله، فلم يحركوا ساكنا.
في الحفرة التي أعدها لدفنهم
سقط الشبح ميتا.
يقول العجائز: ما لم نلده لم يولد قط.
كمطرقة
يقولون إنك لكي تصل إلى تفكير جيد، عليك أن تتوقف عن التفكير، أن تبطل عجلة العالم الرهيبة التي لا تكف عن الدوران. فلسفة الزِن هي محاولة لإيقاف العالم. ماذا لو كان كل هذا الدوران هو إيهام بالرؤية؟ كل ما عليك أن تفعله هو أن تأتي إليك الفكرة فتطردها، أن يتحول عقلك إلى مطرقة تفتت أي فكرة إلى لا شيء. وفي ذلك طموح إلهي فريد.
“أشكال مبتورة”
بلى… العالم لعبة.
وأنت كلب بزنبرك.
أضحك… فتنبح.
أزمجر فتضحك.
نمل اللعبة… فنختفي.
صفعة
ما أفعله، قد لا يكون الفن… لكن تذكر… صفعتي كانت الأولى.
الكذب
في الكذب، نخرق الاحتمال الوحيد المفروض، تتسع المسافة وينتفخ الأمل.
سوء السمعة الملتصق بالكذب جاء من استعمال الجبناء الجائر له، يكذبون بألسنة مشنوقة بذنب الصدق، تأكلهم الحيرة وتفضحهم أعينهم عندما تزيغ عن المواجهة.
الشجعان فقط، سادة مصائرهم، هم من يحملونه إلى أفق جديد، يعيدون اكتشاف جوهره، وينحتون به أصناما أخرى للحقيقة، ليعبدها الجبناء. يتقاتلون أسفل أقدامها الرخامية، يقسمون أنها القول الأخير، الفصل، الصادق، الذي من أجله سينحرون الكذابين بأريحية ويقين المطمئن، وللمفارقة، حينها فقط يتمكن الجبناء من ارتداء أثواب الشجاعة، كملوك عراة.
نحن الكذبة الحق، صنعنا ما يوجد عليه العالم.
نفعلها بلسان لا يرتعش وعين ثابتة، ووجه ينطق بالحياة، كذبتنا هي الحقيقة الوحيدة، وإن لم تكن، ستريدها، فهي المفضلة لديك، لقد انتزعناها من محياك المكشوف، من أعمق رغباتك، شكلناها من ذعرك ولهفتك على ألا يلتهمك حريق الحقيقة، لأننا ببساطة وعلى عكسك، لا نخشى الحرائق.
كل ما تحتاجه لتصير واحدا منا، هو إبرام عقد جديد مع الحياة، خال من الصراخ، أكذوبة الحقيقة، الذنوب، تصيغ بنفسك كل بنوده، أنت طرفه الأول والثاني، وشاهده المؤتمن، عقد بإمكانك دائما خرق بنوده.
من يحطم التابو؟
ليس أنا. ولا أنت. لقد تحطمت التابوهات كلها منذ زمن، جرفها السيل إلى قارعة الطريق، كمارد أعرج، مبتور اليد، سكير، جرحه غائر ونتن، لأنفاسه أبخرة جثث احترقت فداءه.
التابو، مثلنا، ذاق الحرية ككابوس، تلقاها كصفعة، عاشها كإهانة. ومثلنا، يسير نصف حي، نصف ميت، نصف مختل، ابتسامته ترتعش، تقطيبته تثير الضحك. ومثلنا يتسول المحبة والشفقة بعينين ذاهلتين، شاردتين، ربما يبالغ قليلا ويدور في المقاهي والإشارات ليبيع كمامات تقي وباء الجنون، ينظم المرور، يبحث عن هجرة، معتقل على ذمة حبس احتياطي كساعة، وأبدي كدهر. ومثلنا قد يبتلعه ثقب أسود، ليظهر في قبعة حاو، أو جوف مقبرة.
التابو؟ أي نكتة تثيرها تلك الكلمة. كأنها صلبت الزمن على ساعة عقاربها معطلة منذ نصف قرن. لم يعد مختبئا في قاع اللاوعي أو قاع المدينة، صار حرزا يوميا في محضر شرطة، مضغة في أفواه السفلة، شرعية ملك عرشه من جماجم، ضجيج تافه يجمع اللايكات، رقية مواطن صالح ، بطاقة غبي لطبقة الأذكياء الفارغة إلا من تعاليم السلوك.
منذ حُطم التابو، لم يعد يخشى شيئا إلا نفسه.
كيف تقتل الوقت؟
كيف تقتل الوقت؟ اسألوا أمي. أنا ولدها البكر، أول شاهد على الجريمة التي تمت ببطء، أتذكر كيف كانت تقاوم، وكيف انهزمت وانضمت إلى صفوف قاتليها بمحبة بالغة. أمي في كل بيت، في كل شمس، في كل مساء، عبرت العالم بمعجزة، ثم عاشت كنجمة مذبوحة. كانت تطرز الوقت، لتقتله. يصبح مفارش ومصابيح وأشياء بلهاء شديدة الجمال. كانت تملك قوة شديدة استهلكتها كلها في الضعف.
الأنف
كان لجدتي أنف طويل، طويل جدا، حتى إنه كان يصد الغربان، وتختبىء في ظله العصافير وينمو اللبلاب، وكنت صغيرا، أقف فوقه فأرى العالم، عابرا إياه كجسر، وكانت فتحتا أنفها تنفثان الرقة واللهب. لكن ذات يوم كفت جدتي عن الكذب، صغر الأنف وصغر العالم.
أشباح رقمية
دعك من الأسماء. إنها تثمل كل ليلة، تضل الطريق إلى البيوت، تتبادل الأسرة، الأعمار، الحقائق، تصحو بلا ذاكرة، بوجوه طازجة وحيوات جديدة، تحتسي القهوة في الشرفة، تفتح هاتفها، وبخيبة أمل تحدق في البلادة.
مقتفي الأثر
الذي أغمض عينيه لدقائق، ليعض على صورة شبحية للمستقبل، شاحذا طاقته وتركيزه كصراط مستقيم لخنجر، الذي لون عالمه – بعد عشرين، ثلاثين، أربعين عاما – وكدسه بتفاصيل دقيقة، للمحبة، الأوسمة، التصفيق، الثراء، ربما الخلود، الحق في الكسل، جسد رياضي، عمر طويل، أو أحفاد رائعين، إجازة شيخوخة في جزيرة. هو كأي شخص حالم. مشروعيته البراءة.
هؤلاء، حين تنفتح أعينهم – عنوة – على الهوة بين المثال والممكن، لن يدفعوا ثمن ذلك أبدا، بل نحن. هؤلاء الحالمون، البريئون، شديدو اللطف والكبرياء، المسممون بالأمل… خطيرون جدا.

بالعاطفة التي تميز المحبين، اقتفى أثر شخص آخر، ماحيا إياه، ليحفر خطوته الجليلة بمخالب حديدية في الأرض. وعبر الحماقة أو الحب – ما الفارق؟ – كلما اكتشف دليله أرضا، حرقها.
مقتفي الأثر شخص لطيف، حتى وهو يدفع دليله إلى التيه، استبدال الطريق بتخيل أشكال عديدة للفناء كالعمى، الجنون، ثقب في الحنجرة، الانتحار، رعب محيط، بلا مدخل أو مخرج. فقط ظلام أخضر كطحلب نتن.
الذي أغمض عينيه فالتهم شخصا آخر، لأنه أحب الجائزة دون الطريق، ليس مجرما في نظر نفسه، بل عاشق. فطموح المحبين لا نهاية له، يمحو كل فارق بين اللطف والشراسة.
“محفوظ”
بتحويله إلى جحا، حامل العظة، النكتة، النادرة، الحكمة، إجابات كل الأسئلة، حامل كل العبارات التي قالها ولم يقلها. نصائح للكتاب القابعين بين سطوة الدونية والعظمة المتخيلة لطريق آخره نوبل. بجمعه بين النقيضين، بدمجه مع الكلام المبتذل، رفعة الأدب و كتاب أفضل مائة جملة غرام. نال خلوده.
خلود يتكرس بالرفعة والمهزلة. هذا خلود حق.