هرمس: امرأة بالحليب والسم

Julian Schnabel, “Tina in a Matador Hat”, 1987. Source: julianschnabel.com

يقولون إن العرب أحياء اللغة، حين تكون اللغة هي الماء، والعرب هم السمك، وأنا على الشاطئ بالسلّة الفارغة. ككتابٍ على الرف، تمضي حياتي، طيور الفجر تعرفُ. الكآبةٌ تدوي اليوم في خلائي كأغنية نسيتها، والأيام جفت مثل صفٍّ من النخيل. بعد قليل ستقوم القيامة، وأذهب إلى السوبر ماركت وأشتري مقلتين لا تريان الدنيا، وقارورة أضع فيها المرأة بالحليب، نظارات الراي بان ستكفي الظهيرة المشدودة على رمل السماء الساخن، وبيدي قفازٌ وصيف، والقمر، لن يعيرني اهتماما. سأهرب أخيرا، وأذهب بعيدا بعيدا إلى مكانٍ ليس فيه من يحبونني، إن محبيّ قد خربوا حياتي. وأنا ما عدتُ أحب شيئا يذكر، وبسوى القمر وعدة شجراتٍ وولدي والأقلام لا أحب شيئا حقا. المحرك يدور بسرعة، والطريق تفتح فمها وأنا وحيد. لم تعد للنساء إمرةُ حياتي، وسُمّ ريقي كافٍ لتسميمي، أما سمّ ريقتهن، فأنا معوز إليه.
السلامُ على الأيام التي تشردتُ فيها في مصر. وتلك التي تشردت فيها في أمريكا. ومن جرّب الحرّية وتركها عليه السلام، ومن ترك النساء للرجال ومضى إلى الأفق، وانتحر هناك، فعليه السلام. أما أنا فقد فشلتُ في الانتحار، لأن الحياة تحطم محبيها، والكلام عن الماضي القريب يشبه الاتصال بمنتحر لا يرد على هاتفه. أينما ذهب الماضي، فإنني معه. التذكار مقبرة المسافرين، لن آخذ تذكار المسافر. المرأة: كمّ رهيب من الخصوصية المرعبة، والأسرار السوداء. سآخذ امرأةً كتذكار عن صحراء الوعي وقفر الشعور الذي أصاب زماني. إنني لا أحب السياسة، ولكنني أتكلم فيها، فالسياسة ليست إلا طريقة للتحكم في الجمهور، مثل أن تعطيهم حرية الجنس في الطريق العام، طريقة للتهدئة، السياسيون مطفئو حرائق، أما الثورة، فهي الحريق العظيم، سياسات من مثل السكوت عن المسكوت عنه، أو زيادة أجر الدرك، أو منع التزلج على جليد أعصاب الحكومة، كل هذا ليس سوى سدادة لقنينة الجعة الفائرة التي هي الشعب الثائر في الكولوسيوم. أنا الرقم الفردي في مجلس العباقرة. الحانة مليئة بالفرس والترك والإفرنج، والجرمان، والإنكليز، واليانكيز، والسود، وأنا في ركن الطاولة المقسومة ستة بستة، وهذا السابع اللعين، لا يفكر إلا في امرأة جاره.