فصل التعب (فصل من كتاب “مذكرات أب لا يجيد الحكايات”): بهيج وردة

Heba Khalifa, from “Homemade”. Source: arabdocphotography.org

كلما وصلت إلى ذروة الغضب من تصرفات جنى – تبلغ من العمر سنة ونصف – اللامسؤولة (كيف تتوقع من طفلة في منتصف عامها الثاني أن تكون مسؤولة، يا إلهي!) والمضيّعة للوقت، أتذكر كلامي لنادين (زوجتي) ومعاتبتي لها، كيف أنها لم تنجح باستغلال الوقت في شيء مفيد.
وحين أسألها عن وقت نوم جنى (كان يمتد لساعتين غالباً) كنت أظن أنها تتحجج بالغسيل والتنظيف وترتيب المنزل، في الوقت الذي كنت أعتبر هذا الوقت رفاهية لإنجاز قصة أو تحرير ما خططته في الليلة السابقة، أو أي شيء له علاقة بالكتابة أو المراسلة بالحد الأدنى، إلا أني كنت أستعيد كل كلمة (تفوهت بها بحماقة)، وأنا أقضي النهار مع جنى!.
بعد فطور السيريلاك، يتوجب عليك تغيير الحفاض (القماط أو البامبرز أو ما شئت تسميته) لأن رائحة كريهة بدأت تصدر. تستغرق هذه العملية حوالي ١٠ دقائق، بعدها عملية غسيل الوجه والفم وهذه تحتاج ٥ دقائق. هنا يأتي دور الألعاب والتي تستمر حتى الساعة ١١ ظهراً موعد الوجبة الأولى. التي قد تكون سندويش لبنة بينما تتفرج على قناة البراعم، أو قطرميز من الفواكه المطحونة الجاهزة. بعدها ساعة حرة للعب تليها فقرة النوم، التي يسبقها طبعا تغيير الحفاض من جديد لأنها اعتادت أن تفعلها وهي واقفة رافضة للنوم، بسبب ثقل وزن الحفاض.
لم ننتنه بعد!. الدور الآن للحليب الذي عليك أن تحرص أن يكون بعد عملية التغيير حتى تنام بعده، لأنك إن أعطيتها الحليب خلال عملية التغيير ستستعيد نشاطها وتشحن طاقتها ويذهب موعد النوم إلى غير رجعة.
إن نجحت في هذه العملية ومزامنة التوقيت الصحيح في تقديم الحليب، يفترض أن تكون فقرة النوم ممتدة لساعتين. عندها لا أجد أمامي سوى النوم مهرباً. حيث لا إمكانية للكتابة مع مزاج مرهق، ومتابعة حثيثة، وغالباً لا تقتصر عملية التغيير على مرتين فقط قبل النوم، وربما تتعدى إلى مرة ثالثة ورابعة، وهذا ما يضيف عبئاً وتعباً إضافياً، فأي كتابة وأي مزاج؟.
بالكاد تخرج الغسيل من الغسالة وتنشره في الحمام – لعدم وجود بلكون في بيتنا الشبيه بعلبة كبريت، وتتسلى بالبقية من جلي الصباح أو ربما جلي مساء اليوم الأسبق الذي لم تنجزه، وتحاول أن تأكل لقمة لأنك بالكاد وضعت لقمتين – بالعدد، في استراحة بين مهمة وأخرى منذ الصباح الباكر الذي تبدأه جنى غالباً في السابعة أو السابعة والنصف الموعد الذي تفتح فيه نادين عيونها.
كل هذا الكلام لم يكن ممكناً أن أكتبه لولا بضعة أيام قضيتها رفقة جنى التي تبلغ بعد أيام سنة وسبعة شهور. وكان هذا بناء على نصيحة الطبيبة التي شخصت إصابتها بالتهاب في الأذن، رافقه زكام وسيلان أنف رهيبان.
وقتها تطوعت لهذه المهمة لأن نادين كانت في أيام عملها الأولى ولا مجال لتأخذ إجازة بعد، فاعتبرتها حجة لتمضية الوقت مع بنت أمورة.
لكن مع تمضية وقت النهار كاملاً رفقتها ستتعرف إلى أن الولد الأمور لساعتين في اليوم، ليس نفسه الولد الأمور طيلة الوقت.
خصوصا مع ما يرافق النهار من تعب ومفاجآت وواجبات وتحضير طعام وإقناع، إلى ما يستوجبه من اجتراح للحيل المقنعة للأكل، واستخدام لاستراتيجيات الحفاظ على الهدوء عند تغيير الحفاضات، إلى سيكولوجية اللعب، وهذا طبعا لا يمكن الاحساس بوطأته إلا بعد مرور أكثر من يومين كجليس أطفال محترف – ربما تعتبره تغييراً في حياتك إن توقف الأمر على يومين.
هنا فقط أشعر بما شعرت به نادين.
في الواقع كثير من العائلات التي نعرفها تعتمد خيار الزوجة في تربية الأولاد بدوام كامل، أو أحد أفراد عائلتها كالخالة أو الجدة مثلاً، والتي تصير مهمتها العناية بالأولاد فقط، وإن ذهبت الزوجة للعمل فهناك المساعدة المنزلية بديلاً حتى عودتها.
وحين أخبر أحداً بوجودي في المنزل رفقة طفلتي فإن كثيراً منهم لا يستغرب، لأن هذه المهمة هي إحدى ضرائب عمل الزوجة والغربة معاً.
فيما يهز البعض رأسه شبه شامت، ويبدأ التنظير عن عمل الزوجة والضرائب والحياة، ويحاول جاهداً أن يشعرك بذنب الموضوع لا لشيء إلا لأن زوجته لا تعمل ولا تضيف دخلاً إلى الأسرة في واحدة من أكثر المدن غلاء في العالم.
لكن أكثرهم ليبرالية لم يفعلها قبلاً، فموضوع تغيير الحفاضات يعتبرها حصراً مهمة المرأة (هنا الكلام نقلاً عن النماذج الليبرالية التي التقيتها حصراً، وليس معمماً).
ربما يكون الكلام هنا جندرياً إلى درجة متطرفة، لكن هل يحتاج الموضوع إلى غربة مريرة حتى نغير من نمط التفكير الذي يتميز به مجتمعنا العربي بكافة جنسياته؟!.
ربما.
أم هي بروفة لانتقال إلى **دول المهجر الإجبارية، بعد الربيع العربي؟.

*كتبت هذا النص في أبوظبي خريف ٢٠١٤، بعد حصول زوجتي على عمل مؤقت لمدة ٣ شهور، كانت فيها جنى نظرياً في الروضة، لكن غالباً ما كانت مريضة مع محاولة جسدها الصغير الاعتياد على فيروسات الروضة الجديدة، وبالتالي عليها البقاء في المنزل برفقتي. وقتها استهلكت ٤٥ يوماً من إجازاتي المتراكمة خلال عامين من العمل المستمر دون إجازة تذكر، ومع إضافة يومي العطلة الأسبوعية، أكون قد كنت جليس المنزل لما يقارب ٥٩ يوماً من أصل ٩٠ يوم (٢٤ يوم عطلة مشترك مع زوجتي).
**في العام ٢٠١٧ انتقلنا إلى مدينة مونتريال الكندية، ورزقنا طفلاً جديداً، وبدأ فصل تعبٍ مختلفٍ.