
Statue inside the Kom El Shoqafa catacombs (AFP image). Source: middleeasteye.net
مقبرة يونانية قديمة
في طفولتي،
دارت بي السماء فهويت إلى الأرض
على مستوى نظري تجاويفُ في الحائط
قبورٌ سريرية لعائلة قديمة
قدم هذه المدينة
ألهث والعرق يغطي جبيني
تهرع أمي بحبات بن لتَلأم الجرح.
في كهولتي،
دارت بي السماء فهويت إلى الأرض
هرعت أمي لتضع باقة زهور على قبري.
في الليل أبدأ حياة جديدة
وفي عزلتي الأرض منتظرة
وأتخيل القيامة حين لا يبقى من الأرض قطعة أخيرة للاشتهاء
تدور فكرة في عقلي عن أحقية الليل في أن يدوم
وأتغافل عن حكمة الله
ولا أشعر بالذنب، كي أصعد إلى عالم آخر
حيث الكل صورة مفتوحة
على كل فكرة، على كل تفصيلة عظيمة
على كل تفصيلة مخجلة
في ذلك العالم لا تكتمل الصورة أبدًا
وتبقى الأفكار تائهة
أسير خلف الفكرة دهرًا، والأمل يتدلى كقطرات على جبيني
وقد أنتظرُ أحدًا ليبدأ من جديد
لعل العزلات التي صنعتها في شرودي وأنا أتنفس هواء باردًا
تكون العزاء الحقيقي
لمن قبع في العراء طويلاً
بمقبرة قديمة
علامة على قدم الموت
وهذيان البحر وهو يهدر أمامها.
هي
كانت أمينة أثرية عليها
درست التاريخ اليوناني الروماني
حتى صارت ملكة من حراس الزمن
جلست وسط حديقة تُشرف
على نتوءات صخرية حادة
الشمس والهواء شذباها لتتحايل على الأيام
أمام طفل غَر يتعلق بحوافها
طفلها هذا كان يقفز فجأة ليفض صمت الجالسة
تجري ورائي وتقول “يخرب بيتك “
وأقفز هاربًا منها داخل قبر قديم
منه أراها ولا تراني
لا عظام ولا رائحة
فقط رائحة المياه الجوفية وطحالب عالقة
رائحة قديمة
لا دليل فيها على الموت.
تناديني لأخرج، وأرى عالمي المقيم
من فوهة صغيرة تعبر عليها سحابة صغيرة
ينزل عامل بأمرها
ويخرجني بعد أن رأيت عالمي القديم
وأتذكر في نضوجي قبل فراقها:
أن المقبرة عالمان يتقاطعان، لا يرى حقيقتهما إلا طفل وشيخ
وأتذكر كم كنت شقيًا وأنا أهتف من فوق كتف العامل
للرئيس وهو يمر في موكب طويل أمام المقبرة
“يا ريس”
“يا ريس”
آه يا أمي كم كنت شقيًا
وأنت تنظرين إلي داخل المقبرة.
ربما كانت قصرًا لملك في القدم
خسرت مدينته سفنها
وضلت طريقها في البحر
ربما أحرقت وسط بيوت ودواوين كالتاريخ
أو ربما بيتًا لفقير
ذكراه الآن هي رقدة أبدية في مواجهة البحر
أو مجرد حفرة رأيت أمي من فوهتها
وهي تعبر سارحة عبر ثقب وحيد.
في المقبرة
رأيت الفراغ شبحا يقرأ لي صحيفة المساء:
شيئا واحدا للقيام به
هو الهذيان في ليال متعاقبة
عن بداية واعدة.
ولم أكن حينها في حاجة إلى مستقبل يضيع في
بياض السحب المتعاقبة على صفحة بحر قاتم
لأني كنت طفلًا يلعب أمام أمه
ويدخل المقبرة كأنها بيت
لأني بنظرة واحدة كنت أثقب السحب
لأفسح عينًا باردة لشمس خجولة.
الآن تلتمع الشمس فجأة على وجه نباتات وزهور
زُرعت للذكرى
وأوقن أن بدايتي كانت حقًا واعدة
وأن ما يحوطني يضغط علي بثقل التذكر
وأنا أجاهد لأخطو في النسيان
ما يهم وأنا أعلم جيدًا أن في نهايتي:
سوف أخرج وسط همهمات قديمة
ورائحة يود
لأجدها تنظر إلي في صمت.
هي
كانت مسرحًا لا نهائيًا
يمتد كرسم طفل على حائط
هدهدة ليلة جديرة بالصمت
وهمهمات من فرط صدقها
توقظ القبور
وتذيب جبلًا من الشوق
لعابر أخير
كانت تومض كحلم أخير
فيتلاشى الغموض
رويدًا رويدًا
قبل أن تختفي في ضوء الصباح.
كيف مضى كل شيء هكذا
وكيف كنت تموتين كل مرة أغادرك فيها؟
لتُبعثي من جديد فتجديني منتظرًا أنظر إليك.
من الشمال يقع طريق الجيش
هو طريق البحر بلا جدال
ومن الجنوب يفصلك عن المدرسة شارع ضيق
كنت قريبة جدًا
إلى حد اعتقادنا أن الفناء سماء
وكم كنا مسوخًا نتجرع ما أسميناها حريتنا بعيدًا عنك
حينها اعتقدنا أن الحيلة طريقة مثلى للحياة
وتحجرت صدورنا
ونحن نعدو خلف الشمس
بمحاذاة البحر
ويا للمفارقة الحزينة
لأن الملح الذي نثرتِه حدادًا على أرواحنا
كان لطيفًا ليسافر إلى الشرق، إلى حد أنه أثار فينا التوق إلى
محاولة بائسة لشروق جديد
نعلم أننا لن نشهده مرة أخرى
ولو كان لنا رجعة
فمثوانا فيك
لأن لا نهاية لرقدتك الأبدية في قلوبنا.
تشير المقبرة إلى البحر
تهلع أمي من تطاول المقبرة، وتقول: لا تتعلق بالوهم
صوت في رأسي يكفي لأن يسحبني إلى أغواره،
وأتخيل كل شيء مرتبًا
تحت سطح البحر
كما يجب أن تكون الحياة
ولا أفعل شيئًا
لأن الأسوار فراق
لأن السماء ليست بهذا البعد من البحر
ولأن ما رأيته في القدم وأنا طفل يمازح أمه من داخل المقبرة
لم يكن جديرًا بوهم جديد عن الحياة
حيث مسيرة طويلة لأحلام
عبأت كل هذا الدم الذي انساب فوق تلك الشوارع البعيدة
ولم يبق من أثر المدينة غير محاولات الهروب
أصبحنا قساة لنعدو خلف الشمس لا نلوي على شيء
كيف كبرنا هكذا ونسينا الليل؟
في مشي المتمهل
الذي يسري في عروقي بالوراثة
أتذكر البدايات
وشيء في عقلي يحدثني عن أبي
وجهه الشاحب
القسمات المنسحبة بفتور على وجهه
الجنون والاحتدام الدائم على الغرباء
الكسل الذي كان يرخي جفن الحياة
كل الطرق الطويلة التي مشيناها سويًا
أسراره العديدة
في التحايل على الحياة
في البدايات أوجد أبي طريقًا
وأمي أوجدت كسرات خبز كفتنا الحياة
فتعثرت عند أول مجاز أطلقه قاطع طريق
عن جدوى الذكرى
مشت ببطء مثلاً
وتجنبت الأمل
ومن الدموع التي شاهدتها في عين أمي صنعت عينًا
يشاهدني الله خلالها
في كره الحكمة الملقاة على قارعة الطريق
تعلمت المشي ببطء
لعل كل شيء ينتهي قبل أن أصل.
Like this:
Like Loading...
тнє ѕυℓтαη’ѕ ѕєαℓ. Cairo's coolest cosmopolitan hotel.