كارول صنصور: بيت نينا

في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، بينما كان الفلسطينيون يعيشون الانتفاضة الأولى ثم تشكل السلطة الفلسطينية، كانت الناس أخلاقها عالية.
في مدينتي الصغيرة بيت جالا، تمكنت امرأة تدعى نينا من أن تجد نفسها شخصًا غير مرغوب فيه على الرغم من قوتها وعلاقاتها المتينة بالمدينة وشيوخها والعديد من كبار المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين.
تقول القصة إن نينا كانت تدير بيتا للدعارة في قلب المدينة (حرفيًا بجوار البلدية والبنك الإسرائيلي الوحيد لؤمي، والكنيستين الأورثوذكسية واللاتينية، ومكتب البريد ومطعم الدجاج الشهير قعبر ومدرستي).
عندما كنتُ طفلة كنت أسمع دائما النساء والرجال يذكرونها بتكتم ويلعنون اسمها وحضورها في المدينة: “إنها مصدر للعار والقذارة”. وكنت كثيرا ما أسرق النظرات عندما أمر من أمام بيتها متمنية رؤيتها على الشرفة في طريقي إلى المدرسة.

 

إذا كانت ذاكرتي تخدمني بشكل جيد (وهي عادة ما تفعل)، فقد طُردت نينا من البلدة على يد رجل جاء هاربا من العدالة في أوروبا وأمريكا (كونه لصاً محترفاً) كان قد لقّب نفسه بالأمير. وللأمير قصص وحكايات لا تحصى تضاهي الحكايات البوليسية وأفلام الجريمة والإثارة، كان يحكيها لأهل بلدته وهو في غاية الفخر وهم في غاية الاندهاش والإعجاب بقدراته الإجرامية وأمواله التي لا تعد.
طرد الامير نينا، واستملكت السلطة بيتها وحولته الى مركز لشرطة البلدة. وأُغلق بنك لؤمي وافتتحت مكانه جمعية تعاونية. وكَبِرَت السلطة الفلسطينية واختفت نينا ومات الأمير وأفلست الجمعية التعاونية. وظهر بنك فلسطين في مبنى البلدية. وأصبح أهل البلدة يعيشون على القروض والمتاجرة بالأراضي والأملاك متبعين تعاليم الأمير في الخداع والتزوير والبلطجة. وزادت القذارات في البلدة وأصبح من الصعب تدويرها. وهجرت الشرطة بيت نينا واستقرت مكان الجمعية التعاونية وافتُتح محمص وميني ماركت الأمير في الجزء السفلي منه.
ومن يومها الي يومنا هذا مازلت أفكر والعُصاب يلاحقني في قدرتنا على العيش بهذا الاختلال وفضح دواخلنا دون خجل او اعتذار لأولادنا على ما نعد لهم جيلاً بعد جيل.