فرات الحطاب: حيطان تونس

عند وصولي إلى تونس، اكتشفت أنني اقتلعت من المشرق ورميت نفسي في المغرب الذي لا أعرف عنه شيئًا. هنا اكتشفت مصطلح “مشرق” أساسًا. لأصحاب الدكاكين ردات الفعل نفسها: من وين من لبنان؟ آه سوريا؟ مشرقية؟ (لا فرق كبيرًا هنا بين سوريا، لبنان، الأردن؛ كلنا عند المغاربة مشارقة).
اكتشفت صدمتي عندما لم أتوازن في المدينة (على عكس ما تهيأ لي من قدرتي على الانسجام الفوري مع الأماكن الجديدة). كنا أنا وتونس نغني على مقامات مختلفة، إيقاع منفصل وغير متوافق. “الدوزان بايظ ع الآخر”. كنت بلا وعي أقارنها باسطنبول مدينتي المفضلة. المقارنة لم تكن عادلة ولكن تونس لم تسهل علي الأمر. كان عليّ أن أبذل جهدًا واعيًا لأجد نقاطنا المشتركة.
بدأت رحلتي #في_البحث_عن_وصل_تونس. محاولات يائسة لإيجاد مقاهي شعبية مفضلة. اكتشاف سرعات الأيام. فهم التونسيين وكيف يقضون أيامهم. جولات مطولة في المدينة العربي (المدينة القديمة) والأسواق الشعبية. الكثير من الجهد الموجه على أمل الصدف الموعودة.
لا أذكر متى لاحظت أن الحيطان تتساءل. كل شهر أو أكثر أمشي لأجد سؤالا جديدًا. قد يكون هنالك منذ مدة وأنا لم أعلم بوجوده. وربما لفرط بساطته استوقفني. كنت في كل مرة أرى السؤال، أقف عدة ثوان وأفكر. أحسست بأن المدينة تتكلم معي فعلا وتسأل:
“مخدرين؟” – تخيل، أكثر من ثلث عدد المساجين في جمهورية تونس موقوفون أو محكومون في قضايا مخدرات.
“زايطين؟”
“نموذجيين؟”
“بطالة؟”
سؤال “مفاوضات؟” كتب بجانب المركز الفرنسي القديم. أللمكان علاقة بالسؤال؟ في بلد لم ير أحد وثيقة استقلاله عن فرنسا حتى اليوم، في بلد تضاهي تحصينات سفارة فرنسا فيه تحصينات وزارة الداخلية، ويظهر لي أنها محصنة أكثر من الوزارة الأولى…

تركت هوسي بملاحقة هذا الغرافيتي لفترة. لكنني منذ أسابيع، عدت للصور. كبّرت إحدى الصور قليلًا وقرأت اسم النهج: “نهج لينين”. كتب تحته “معارضة؟” ضحكت عاليًا. فهمتها، بعد سنة من تصويرها فهمتها. هل كان يقصد حقًا من كتبها اليسار التونسي؟ أم هي صدفة؟ أحب أن أقول لنفسي بأنها مقصودة وبأن راداراتي (المعطوبة عادة) استطاعت حل شيفرة إشارات الشارع.
يومها فكرت بأنني وجدت جزءًا من وصلي مع المدينة. على الأقل تصالحي معها، لم أعد غريبة كما قبل. حيطان المدينة تكلمني وأنا أفهمها، ولو بعد حين.
لم أستطع حتى الآن معرفة من يكتب هذه الأسئلة. وفي قرارة نفسي أنا سعيدة بهذا. أريد أن أفكر بأن المدينة هي التي تسأل.