سهى هشام: أربعة نصوص

David Alan Harvey. Lapa, Rio De Janeiro. 2015. Source: magnumphotos.com

David Alan Harvey. Lapa, Rio De Janeiro. 2015. Source: magnumphotos.com

على نغمات أغان أفريقية، أقف وحدي لحظة داخل سيارة تترنح في الساعات المتأخرة من الليل، حيث المطبات كالألغاز تخرج من الرأس في اتجاه بيت كأنما تملؤه اللعنات. يخطر لي أن اسم الفرقة التي تغني يتعلق بطقوس سحر الفودو و ما ينتج عنه من نغمات. النغمات تذكرني بأحلام قديمة لا تشبهني. كما أن النغمات قديمة، الزمن خدعة. وأنا لا أملك سوى اللحظة التي أهدرها بجدارة لا تليق بها. فالمستقبل لا يُصنع والماضي يطارد.
أحلم بأظفار يدي محناة بلون بني. أستنكر لونها القاتم في الحلم وكأنني قتلت قتيل. بعد أربعة أيام علي الحلم، أقابل ابنة خالتي في تجمعنا الأسبوعي في بيت عائلة أمي. جاءت بوجه يستنكر ما حدث منذ أفاقت من النوم في الأسبوع نفسه فوجدت أظافر يديها محناة باللون نفسه الذي رأيته في الحلم. أسألها وأتعجب: منذ متي وأنت تستعملين الحناء بهذا الشكل البشع؟ قالت لم أفعل، “صحيت من النوم لقيتها كدا”. هي لا تستعمل الحناء اصلاً… حكيت لها الحلم وتعجبنا.

*

كانت جدتي لأمي في العاشرة من عمرها عندما حملتها أختها الاكبر لتصعد بها سلم بيتهم الكبير بالشرقية، وهم في مدخل البيت بعد الغروب و الكهرباء قد انقطعت عن البيت، والظلام شمله. كانت الأخت الصغرى خائفة، والكبرى لابد وأن تتحلي بالشجاعة حتي يصلوا إلى مقرهم. لا صوت و لا ضوء. الأخت تحمل أختها وفي البدء تتعثر ويصيبها خفقان قلب كأن روحها اقتُلعت من جسدها واللحظات تطول وتتبدل للأبد و كأن روحًا ما لبستها ومن ثم تعرف الطريق وتخطو خطوات واثقة بلا خوف وكأن السلم أصبح قطعة عجين تستوعب قدميها. الخطوة تلو الأخرى. هي تعرف أنها لم تصبح كما كانت منذ لحظات.

*

أتحسس الطاولة بجبهتي وأستدعي الهة الرحمة فتأتي قارئة الودع عوضًا عنها. ونكون بجوار بحر يبعث برسائل مجهولة ويحمل فوقه مراكب صغيرة تنتظر مسافرين لن يأتوا. المد والجزر يتصارعان في رأسي حين أرى قارئة الودع تفترش الرمل وهي ترتدي تاجًا من القماش. أعلم أنها جاءت لتدفن الودع في الرمال حتى تتطهر من حكاياته المستمرة. فهو يخبرها بما لا تريد أن تعرف. دفنته فعلًا ورحلت. وبقينا نحن نسمع حكايات الودع ونحن لا نريد أن نسمعها.